الصادق الرزيقي

حتى لا تدهمنا العاصفة


> تتراكم الأخطاء وتترك المعالجة في وقتها، ثم يلهث الجميع من أجل إيجاد حل ناجع، فما تشهده ولاية الخرطوم ينذر بخطر لو لم يتم تداركه بسرعة، فنقص المياه وقطوعاتها، وانقطاع التيار الكهربائي وبرمجته، كلها عوارض لعلل وأمراض وخلل أصابت الجهاز التنفيذي في الدولة وقللت من كفاءته وقدرته على توقع واستشراف المشكلات التي ستواجه البلاد والتوسع في الاستهلاك، ثم وضع الحل الملائم قبل وقت كافٍ حتى لا نبحث عن العلاج بعد وقوع الفأس على الرأس.
> بدأت مظاهر محدودة هنا وهناك، لاحتجاجات من مواطني الأحياء الظمأى والعطشى التي قال السيد والي الخرطوم إنها أزمات في عشرين حياً من الأحياء في العاصمة بأطرافها المترامية، لكن لا أحد يعرف ما المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الاحتجاجات لو استمرت هذه المعاناة نتيجة النقص الحاد في خدمات المياه والكهرباء؟ ولا يظهر أن ولاية الخرطوم حتى اللحظة لديها خطة سريعة عاجلة ولا مستقبلية لتلافي هذه المشكلة الحادة، التي جعلت السيد رئيس الجمهورية يعقد لها اجتماعاً بمطار الخرطوم وهو يهم بصعود الطائرة في زيارته للمملكة العربية السعودية.
> نخشى أن تتحول الأولوية بعد قليل إلى كيفية تدارك غضب المواطنين ولجم الاحتجاجات، ولذلك يجب أن تتضافر كل الجهود اليوم قبل الغد وبكافة الوسائل لتحسين إمدادات الكهرباء والمياه وتخفيف معاناة المواطنين، فهناك من يتربص بالهدوء والسلامة العامة لاستغلال مظاهر قلق وغضب المواطن وتحويله دفته إلى عمل سياسي يقود لرد فعل ثم تتوسع دائرته، وهذا ما يجري في بعض أحياء العاصمة وأطرافها النائية القصيَّة، ولا يستبعد أن يكون في قلبها أيضاً.
> حكومة الولاية مع الحكومة الاتحادية عليها البحث عن حلول ليست تقليدية لتقليل الأسباب التي تؤدي إلى التناقص المستمر كل عام في الإمدادات المائية والكهربائية وهي عصب الحياة، فمن غير الممكن ألا تتوفر خطط بديلة ولا تصور متكامل ودراسات علمية لحجم المستهلك من الكهرباء والمياه يراعي التوسع العمراني والمديني والزيادة المطردة في القطاعين الزراعي والصناعي، ويتم على ضوء ما يتوفر من معلومات وبيانات في الخطط والدراسات توفير ما يلزم ومجابهة الأعباء الجسيمة ومقابلة مطلوب الحاجة الفعلية وحسن ترشيد المتاح من إمكانات.
> وتحتاج الولاية أيضاً إلى كفاءة إدارية قوية تستطيع العمل في ظل الظروف المعقدة الراهنة والخروج إلى الضفة الأخرى من هذه الأزمات، لكن حاجتها تبدو أكبر إلى العمل والنشاط السياسي لمنع انزلاق ما يجري إلى شيء آخر يصعب احتواؤه، فالنار من مستصغر الشرر، فالولاية تحتاج بعد التغيير الذي حدث فيها على مستوى قيادتها أجهزتها التنفيذي والسياسي والحزبي، إلى عمل جبار وترقية الأداء السياسي وسد الذرائع حتى تجتاز هذه المرحلة الصعبة.
> فقضية الخدمات واستدامتها في المجتمعات الحضرية، باتت هي أم الأولويات لدى الحكومات والسلطات المحلية في أي مكان في الدنيا، كما أن الحواضر والمدن صارت ذات كلفة سياسية باهظة نظراً لطبيعة مجتمعاتها وسكانها، فولاية الخرطوم التي يسكنها ما يقارب الثمانية ملايين شخص وتستحوذ على جل الخدمات والسلع والمواد المتوفرة في البلاد، وتتوسع بنسبة مطردة كل عام من ناحية الامتدادات العمرانية والسكنية، يجب النظر إلى احتياجاتها الأساسية والضرورية باهتمام بالغ وبتفكير جديد تتوازن فيه الرغبة في توفير كل الاحتياج الخدمي وسرعة العلاج السياسي والإداري للأزمات المتعلقة بهذه الخدمات، وهذه مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق والي الولاية وحكومته القادمة التي لم تر النور بعد.
> ومن أولى مهام الولاية في عهدها الجديد، النظر في مسألة الأخطاء المتراكمة في الفترات الماضية وسرعة التعامل معها مع وضع الحلول النهائية خاصة الخدمات في مجالي المياه والكهرباء، ولن تستطيع حكومة الولاية فعل شيء في هذا الصدد إن لم تصوب جهدها في توفير التمويل والأموال الكافية، وهذه مهمة تحتاج إلى تفكير عميق وابتداع أفكار خلاقة لزيادة الإيرادات وتقليل المصروفات وجذب الاستثمارات.