حوارات ولقاءات

دكتور أمين حسن عمر يُقلّب صفحات العُمر


قدت حملة طرد صادق عبد الماجد والمخالفين للترابي

الصادق المهدي سندكاني والإسلاميون (اشتراكيون)

طبخت (شوربة) فسمّمت جميع أفراد أسرتي

الغنوشي ليس من رجال الدين المحترفين

علاقتي بالترابي لم تكن علاقة موظف في مكتب

أشجع الأزرق واستمع لود الأمين وأم كلثوم

حوار: رمضان محجوب

في هذه السلسلة من الحوارات، نحاول أن نسلط الضوء على الجوانب الخفيَّة في حياة بعض الذين ارتبطوا لدى الذاكرة الجمعية للشعب السوداني بالإشراقات وربما الإخفاقات.

ونسعى من خلال ذلك إلى تتبع سيرة من أسهموا ــ سلبًا أو إيجابًا ــ في حركة المجتمع والسياسة، وبالطبع نهدف إلى تقليب أوراق حياتهم المرتبطة بالجانب العام، دون أن نتطفّل على مخصوصاتهم، حال لم تكن ذات علاقة مباشرة بالشأن العام. دافعنا في كل ذلك أن نعيد كتابة الأحداث والتاريخ، بعد أن تكشّفت الكثير من الحقائق المهمة، حول كثير من الوقائع التي أثرت في المشهد السياسي السوداني.

“”””””””””””””””””””””

أ – الحديث مع أمين حسن عمر لا بد أن يمر عبر بوابة اليسار.. حدثنا عن المناخ العام الذي ألتحقت فيه باليسار.

الإخوان المسلمون كانوا أكثر التنظيمات نشاطاً عند التحاقنا بمدرسة عطبرة، إلا أن الحزب الشيوعي قام باستقبال الطلبة “الخارجيين” الذين يأتون من دنقلا وشندي وبربر والدامر، والمناخ العام هناك كان اشتراكياً لأن نقابة العاملين بالسكة الحديد كانت نشطة رغم أنها لم تكن شيوعية 100%، كان المزاج السياسي أقرب للاتحاديين منها للشيوعيين، وفي ذلك الوقت حزب الشعب الديمقراطي كان مزاجه السياسي والثقافي ناصرياً، فالمزاج العام كان خليطاً بين الناصرية والاشتراكية والشيوعية.

ب – بالتأكيد هناك ذكريات من تلك الأيام.. ماذا تحمل منها؟

بيتنا في ذلك الوقت كان يصنف ضمن الأسر متوسطة الحال لأننا أبناء موظفين وعلى الرغم من ذلك كنا فقراء ولكن الفقر في ذلك الوقت لم يكن محزنا ولا ملتعا لأن غالبية الحياة حتى الأغنياء لا توجد وجوه تباين كبيرة في الاستهلاك أو في الإنفاق على النفس بين الفقراء أو الأغنياء، والغني ربما يكون بيته أوسع أو طعامه أكثر من حيث الكمية، والجميع كانوا يحرصون على ارتداء الزي الوطني إلا في مناسبات الزواج والأفراح فيكون هنالك لبس خاص، ولذلك لم يكن هنالك تباين بين الفقراء والأغنياء وبيوت الأغنياء دائما ما تكون كبيرة ومبنية من الطوب وبيوت الفقراء من الجالوص، ولكن في نفس المكان وأنا عشت في منزل جدي بالأبيض وهو محسوب من الأغنياء وعندما كنا ننتقل من عطبرة إلى الأبيض لقضاء العطلة لم يكن هنالك فرق لا في الملبس ولا في المأكل .

ت – تتحدث كثيرا عن اشتراكية كثير من الأحزاب السودانية على ماذا تستند في حديثك هذا؟

تتمحور فكرة وجوهر الاشتراكية في تصدي الإنسان لأخيه الإنسان، واعتقد أن هذه الروح كانت قوية في الخمسينيات والستينيات وليس فقط في الوضع السياسي بمواجهة الاستعمار ولكن ايضا في البُعد الاقتصادي حتى أن غالبية الأحزاب تأثرت بالدعوة للاشتراكية مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي وفي الستينيات كان هنالك حزبان الشعب الاشتراكي والوطني الديمقراطي وكلا الحزبين نشأت بهما رموز اشتراكية مثل موسى المبارك وغيرهم وقد كانوا اشتراكيين داخل هذه الأحزاب، والصادق المهدي ذاته عندما كان في حزب الأمة وهو يافع في ذلك الوقت جاء من بريطانيا وهو متأثر بالدعوة الاشتراكية النقابية والبعض اسماه “السندكاني” وهي الاشتراكية النقابية التي كانت مشتهرة في بريطانيا في ذلك الوقت، وإذا قرأت (منفستو) الإخوان المسلمين على أيام جبهة الميثاق تجد أنه قائم على فكرة التصدي لتراكم رأس المال والدعوة إلى الاقتصاد التعاوني.

ث – ثورات الاشتراكيين على مر العصور كانت حاضرة.. واشتراكية الإسلاميين تقول الشواهد إن المفكر سيد قطب هو منظرها الأول؟

ثار سيد قطب في وجه الرأسمالية، ومعلوم أن التصدي لتراكم رأس المال والدعوة إلى الاقتصاد التعاوني كان من آثار فكر سيد قطب الذي كان متصديا بقوة للرأسمالية ولديه كتاب اسمه الإسلام ومعركة الرأسمالية وعنده كتاب مشهور جدا في العدالة الاجتماعية، ولذلك كان هنالك رموز آخرين مثل الدكتور السباعي في سوريا الذي كتب عن اشتراكية الإسلام، وهنا في السودان جماعات تبنوا الدعوة للاشتراكية بوجه إسلامي مثل د. ناصر السيد ومن قبله عبدالله زكريا وقبلهم بابكر كرار وهو مؤسسي الحركة الإسلامية وهؤلاء انفصلوا في العام 54 وكونوا حزب الإسلام الاشتراكي.

ج – (جميلة ومستحيلة) هكذا كانت جامعة الخرطوم حين التحاقكم بها.. ماذا عن انضمام أمين حسن عمر الطالب حينها للحركة الإسلامية؟

جاء انضمامي للحركة الإسلامية في منتصف السنة الثانية بالجامعة وكانت تربطني صداقة ومودة مع عبد الرحمن عامر الذي سبقنا إلى الحركة الإسلامية ، وكذلك الأخ هاشم أبوبكر وما كانت الأيدولوجيا حائطا يفصل بين العلاقات الاجتماعية وكانت أكثر حميمية في الماضي.

ح – حدثنا عن ما تبقى من ذكريات لإدارتك لمكتب الدكتور الترابي؟

حياتي كان بها الكثير من المحطات المهمة، ولكنني اذكر جيدا أنه عندما خرجت من السجن طُلب مني التفرغ لعمل الطلاب من العام 70 إلى 79 وكنت مسؤولا ثقافيا في مكتب الطلاب ثم مسؤولا سياسيا، وأصبحت مديرا لمكتب الترابي فى خواتيم 79 إلى العام 81 وطبعا د. الترابي تعلمنا منه الكثير .

خ – خلال عملك مع دكتور الترابي اقتربت منه كثيرا.. فماذا كان يعني لك ذلك؟

خبرة الترابي السياسية وقدراته الفكرية، جعلت الاقتراب منه يعني الاقتراب من العلوم والمنهل لأفكار كثيرة ولم تكن علاقتي به علاقة موظف في مكتب أنا كنت – بجانب أنيّ مديرا لمكتبه – أيضا سكرتيرا للمكتب التنفيذي وهذا وفرّ لي فرصة لم تتوفر لكثير من الشباب من الاقتراب منه والتعلم منه.

د – الدكتور الترابي يعتبر محطة مهمة في حياة كل منكم وتعلمتم منه الكثير.. فلماذا أدرتم له ظهركم؟

دعني اتحدث بوضوح، نحن تعلمنا منه أشياء كثيرة وعتب علينا الكثيرون وقالوا لنا تعلمتم منه ومن ثم أدرتم له ظهر المجن، ولكن نحن نقول لهم بالعكس نحن صدقنا من تعلمنا منه في أن نكون أهل استقلال في الفكرة والفضل في هذا يعود له وهذا الاستقلال في الفكرة جعل لنا القدرة في الاختلاف معه.

ذ – ذلك ما تعلمتوه من الترابي فماذا عن اختلافكم معه؟

ذاكرة التاريخ وأرفف المكتبات تؤكد أنه ليس بيننا وبينه مقارنة في العلم والقدرات الفكرية، ولكننا ايضا نحترم أنفسنا ونحترم المنطق الذي كنا لا نرى منطقا صحيحا غيره في ذلك الوقت ونحن اختلفنا معه في أشياء بعضها فكري وبعضها سياسي.

ر – روايات عديدة قيلت عن اختيارك كأصغر عضو في المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية فما أصل القصة؟

راهن كثيرون علينا في المكتب التنفيذي، بعد أن كنا من أصغر الأعضاء بمجلس الشورى وهذا أيضا كان بقرار من الترابي. وبمجرد أن خرجنا من السجن ومن الجامعة رشحنا الترابي أنا ودكتور التجاني عبد القادر وبروفيسور حسن مكي ودخلنا مجلس الشورى، وأحدثنا فيه فوضى وأدخلنا حادثة طرد الإخوان الذين كانوا يخالفون د. الترابي في الأفكار، وعلى الرغم من أننا كان لنا مودة خالصة للشيخ صادق عبدالله عبدالماجد وما تزال وهو رجل صادق وفاضل ولكن الاختلافات الفكرية والحدة جعلتنا نقول هذه فوضى إما أن تحترم الأقلية خيارات الأغلبية وأما أن تخرج، وإن لم تخرج فتُخرج وقمنا بإخراجهم ولم يكن أمرا يسيرا، ودكتور الترابي نفسه لم يكن موافقا.

ز – زواج أمين هل كان تقليديا وكيف جاء؟

زواجي جاء بعد أكثر من محاولة وانتهت أول زيجة لعدم توافق شخصي، ولعدم توافق مع الأسرة،وبعدها وعند ذهابي إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة تزوجت من أسرتنا ، ولديّ الآن والحمد لله أربع بنات وولد آخرهم سيتخرج هذه السنة من الجامعة .

س – سياسيون كثيرون اثّروا في هوايات وميول أبنائهم، هل تحس أن بين أبنائك من يميل إلى الشعر والأدب؟

سمحت لأبنائي بتحديد خياراتهم، وكلهم عندهم محاولات في الأدب، وللأسف أنا لا أجد وقتا كثيرا لمتابعتهم وأمهم أكثر متابعة لاتجاهاتهم، ولديهم جوانب في التشكيل والرسم، واطلع على ما ينشروه في الفيس بوك وأعلق عليه وفي بعض الحالات يخشون من عرض أعمالهم عليّ لأنني قاسٍ في ما يتعلق بالشأن الأدبي ولا أجامل فيه.

ش – شعر دكتور أمين لم يعد مبذولا، وكتاباتك الشعرية أصبحت نادرة.. وأنت متهم بالكسل؟

شئ ما يتعلق بالطاقة النفسية وراء قلة منتوجي الشعري، والأمر لا علاقة له بالكسل، وهذا تطور طبيعي وعندما يكبر الإنسان يحدث له ضعف في الطاقة النفسية وكل طاقات الإنسان تضعف بالتقدم والشعر طاقة نفسية ليست لغة ولا مفردات، واذكر عندما كنت في المدرسة الثانوية كنت اذهب للمنزل الذي يبعد من المدرسة حوالي كيلو ونصف بأرجلي وكان يوجد عربات للسكة حديد كثيرة وفي كل مرة اتكئ على عربة واكتب بيت بيتين وحتى أصل المدرسة أكون كتبت قصيدة، هذه عندما كانت الطاقات متفجرة والحالة النفسية متوهجة وليس كل ما اكتبه من الشعر اقوم بنشره ولست حريصا على النشر.

ص – صراع العلمانية في الشرق الأوسط.. كتاب ألفه دكتور أمين منذ أربعبن عاما تقريبا، فكيف ترى هذا الصراع الآن؟

صدعت العلمانية في مطلع الستينيات والسبعينيات بصوت قوي، وكانت التيارات الإسلامية في بداية منازعتها للاتجهات العلمانية على الصعيد الفكري والسياسي والعلمانية كانت تدعّي بأنها قطاع اشتراكي والآن هم يتنصلون من كلمة علمانية ويتحدثون عن الدولة المدنية وهذا نوع من الالتفاف والخديعة والدولة بطبيعتها مدنية ولا تحتاج أن تصف الشيء بما هو عليه والإسلاميون لا يتحدثون عن دولة غير مدنية ولا عن دولة يحكمها رجال الدين وشخص مثل الغنوشي ليس هو من رجال الدين المحترفين بل هو مواطن تفقه وتعلم في الدين كما ينبغي.

ض – ضليع أنت – برأي الكثيرين – في السياسة وكذلك الإعلام بجانب الشعر والفكر فـفي أي مرفأ منهم ترتاح؟

ضلّ كثيرون طريقهم إلى خيارات لم تكن في حساباتهم، لكنني عندما دخلت الحياة السياسية دخلتها من باب التخصصية، وليس من باب الاحتراف السياسي. والصحافة هي وسيلة للتعبير وعمل بالنسبة لي وكنت صحفيا اتكسب من ذلك عيشي لسنين طويلة في بريطانيا لبعض الوقت وفي السودان ايضا لبعض الوقت، ومن ثم بعد ذلك في وزارة الإعلام لذلك الإعلام كان جزءا من مهنتي.

ط – طبيعة السياسيين أن يمضوا سنوات العمر بين الأقبية والمعتقلات والسجون.. فماذا عن ذكريات في ذلك؟

طبعا السجن عالم كامل وستتعرف على الناس معرفة لصيقة، وهذا مهم جدا. والسجن الأطول كان بعد انقلاب المقدم حسن حسين وكان في السجن كل أذرعنا وغالبية الناس كانوا إسلاميين. وايضا كان هناك شيوعيون ومعتقلون من الأحزاب الأخرى ومعظم هؤلاء كانوا قيادات لذلك اتيحت لنا فرصة أن نتحاور ونقترب منهم. وأمضينا وقتا ليس بالقصير في كوبر وكذلك في أم درمان وفي سجون الأمن وأمضينا فترة أطول في دبك وتلك الفترة كانت فترة تمحيص وتمكين.

ظ – ظلت مجموعتك الشعرية الموسومة بـ(أشجان المتوحد) تقف كمنتوج شعري وحيد، فلماذا لم تقم بنشر كافة أشعارك؟.

ظهور (أشجان المتوحد) إلى القراء لم يكن بقراري، فقد اختارها الأخ محمد وقيع الله بمزاجه وشاورني في أمرين: في عنوان المجموعة الذي اختاره هو وفي إهدائها. الدكتور محمد وقيع الله صديق شخصي، أديب أريب ومحب للأدب وعنده إيمان بأن ما أكتبه من شعر يستحق أن ينشر. وأنا لم أهتم بهذا الجانب من التجربة، أنا أرى أن الشعر تجربة وجدانية خاصة، تقرأ للأصدقاء شعراً وتطلب منهم شعراً وهكذا، لم أفكر بجدية في نشره، فكرت أخيراً في جمع مجموعة القصائد المحمدية ونـشرها في مجموعة. وطبعا كلمة متوحد الآن أصبح لها معنى جديد طبي وعندنا المتوحد هو الإنسان الذي يعيش وحده ويختار أن يعيش بإرادته الذاتية.

ع – عطبرة الثانوية مرحلة مهمة في حياتك ماذا تبقى منها؟.

عطبرة الثانوية مدرسة كبيرة ولها وقعها وبها عشرات الفصول وتعتبر هي المدرسة الأساسية للولاية الشمالية بأكملها وعدد الفصول بها أكثر من حنتوب وخورطقّت والفرق بينهم في أنهما أقدم من عطبرة الثانوية.

غ – غالبا ما تؤثر البيئة الأسرية على ثقافة الطالب، فكيف كان الأمر معك؟

غلب على فترة الستينيات المناخ الاشتراكي الثوري التحرري، وكان له تأثير كبير على شخصي. أما المناخ العام في المنزل فقد كان إسلامياً، فوالدنا كان منتمياً إلى الطريقة السمانية، وبالقرب من منزلنا كان يوجد دار الميثاق الإسلامي، لذلك كان المناخ إسلامياً والروح المتمردة تجعل الشخص بالضرورة أسيراً لتأثيرات الأسرة. وفي المرحلة الوسطى لم ألتمس تأثيرا يذكر وقد تكون للأسرة تأثير ولكن الأكثر تأثيرا في ذلك الوقت هو الراديو وقد كانت ثقافته اشتراكية تحررية في فترة الستينيات وبالتالي كان المناخ العام ثوريا.

ف – في تلك الفترة تزامن دخولك لعطبرة الثانوية مع بداية حكم جمال عبد الناصر وفكره الاشتراكي، فكيف أثر ذلك عليك؟

فكرة القومية العربية كانت حاضرة في المشهد السياسي، وكان نظام عبد الناصر يُروج بأن أي حرب ستخوضها إسرائيل ستنهزم فيها، ومع ذلك حدثت النكسة. صحيح أن النكسة نفسها لم تؤثر كثيرا وتم تجاوزها باستقالة عبد الناصر وتحميل التقصير لعبد الحكيم عامر والذي انتحر، وهذا لأن الناس كانوا يحبون عبد الناصر لذلك لا يريدون تحميله مسؤولية التقصير.

ق – قلما نجد رجلا يهتم بالدخول إلى المطبخ، فأين دكتور أمين من ذلك؟

قديما كانت لي علاقة بالمطبخ وتحديدا عندما كان لدينا متسع من الوقت وكنا نطبخ لأننا كنا (عزابة) والآن لا يوجد متسع من الوقت، وأذكر أنني في إحدى المرات عزمت على صناعة طعام في البيت وأخبرتهم بأني سوف أطبخ لهم (شوربة)، وبالفعل طبختها وتناولوها فكانت النتيجة بأن أولادي وأمهم قد تسمّموا بسبب استعمالي لمكونات الشوربة (نافدة) ومن يومها لم أدخل المطبخ.

ك – كنتم آخر دفعة درست بالنظام القديم أربع سنوات.. كيف كان مستوى الإطلاع والتثقيف حينها؟

كان الشباب يقرأون كثيرا في ذلك الوقت والسبب عدم وجود المُلهيات مثل التلفزيون وإما أن تقرأ أو تلعب وإذا في الشخص قدر من الجدية في الطبع فهو غالبا ما يميل إلى القراءة لذلك ما قرأناه في المرحلة الوسطى والثانوي لا اعتقد أن يقرأه الناس الآن.

ل – لم تكن مدرسة عطبرة مجرد دار تعليمية أكاديمية، وكان لها دور مهم في تلك الحقبة، هلا حدثتنا عن ذاك الدور؟

لمدينة عطبرة سحر وسطوة خاصة فقد كانت تجمعا لعدد كبير من الطلاب والمعلمين وهذا يجعلها أقرب للمستودع الفكري أو مستودع الصفوة للمدينة، الحرفيون يأتون ويعملون وسط العمال وقد كانوا مفرغين عدداً من الكوادر الرئيسية بعطبرة، وكان هناك كادر باسم “الكادر الموسع” ويشمل قيادة الحزب الشيوعي والمفرغين ورموزاً من المدينة منتمية للحزب الشيوعي منهم أطباء ومهندسون، كما كان هناك تمثيل للمدرسة، فالمسؤول الأول والمسؤول الثاني في المدرسة، السكرتير العام، والسكرتير الإداري هؤلاء ممثلون في الكادر الموسع.

م – ما شعورك وأنت تأتي إلى الخرطوم للجامعة بعد انتقالك من عطبرة، فهل عانيت مما يُعرف بـ “الصدمة الحضارية”؟

مسألة الصدمة الحضارية لم تحدث وهي غير واردة، لا في السابق ولا في الحاضر لأن الفروق بين المدن في السودان ضئيلة ونحن جئنا الجامعة في السبعينيات وكانت الخرطوم بها عمارتين أو ثلاث عمارات فندق صحارى ونحن موجودون بالجامعة تم إنشاء معمل استاك وهنالك مبنى وزارة التجارة وقد كانت عطبرة من حيث التقدم الحضري أكثر تحضرا من أم درمان.

ن – نريد أن نعرف فروقات التربية بين دكتور أمين الولد والوالد؟

نلتُ بعضاً من خصوصيات والدي، فهو بطبعه كان لا يتدخل ومتوحد ومتعلق بالعمل وبالطريقة السمانية وكان عطوفا جدا وتربيتنا تأثرت بالوالد أكثر حيث إنه أنموذج وكنا نتحرج عن أي تعبير غير راضٍ عنه في وجهه وكان قليلا ما يعلق على ما نفعل. وأنا ايضا علاقتي مع أبنائي أتت في هذه المسافة ووالدتهم أكثر ارتباطا بهم. وطبعا الأبناء الآن الحياة أصبحت واسعة أمامهم والفرص على اكتساب المعرفة والثقافة أكثر من التربية المنزلية. والتربية المنزلية لا تستطيع أن تلاحق الوسائط الأخرى ولكن ستظل الأسرة محضنا أساسيا للتوجيه.

هـ – هلا حدثتنا عن كيفية الانتماء لليسار في تلك الفترة؟

هناك طريقتان للانضمام لليسار، الأولى طريقة تنظيمية، والثانية طريقة غير تنظيمية وكانت حالة الانتماء والانتظام السياسي للحركات الإسلامية هي الاستثناء ولأن المناخ العام مواتٍ للدعوة الاشتراكية والأحزاب الطائفية كانت غير قادرة على تحريك خطاب فكري ولذلك ما كانت قادرة على اجتذاب الشباب وطريقتها الوحيدة على اجتذاب الشباب هي أن تؤثر على أبناء المنتمين إليها مباشرة من خلال آبائهم أو من خلال أي ميزات تعطى إليهم لذلك هذه الحركات كان كسبها ضئيل في اتجاهات الشباب ولذلك كانت المنافسة بين اليسار والحركة الإسلامية وفي الخمسينيات وتقريبا في الستينيات كان الميزان يميل لليسار ومن نهاية الستينيات والى وقتنا هذا طبعا انقلب الحال ومال الأمر إلى الاتجاه الإسلامي.

و – وتر يصطحب كفرا.. هكذا يقولون فلمن يمنح دكتور أمين استماعاً (غنائيا)؟

وردي يعتبر عندي فنانا قامة، وكذلك محمد الأمين. وتعجبني أغنيات الحقيبة والأغاني القديمة، واستمع ايضا لفيروز وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ .

ي – يجرفك حنين إلى الماضي وإلى أيام مضت فماذا عن ارتباطك الرياضي في تلك الحقبة؟

يبدأ – في بعض الأحيان – تجنيدنا للطلاب من خلال ميادين كرة القدم. وأنا ما كنت مرتبطا بها، ولكن ارتبطت بها مؤخرا وتحديدا عندما كنا نستخدمها كوسيلة لجمع الشباب من حولنا للتجنيد للحركة الإسلامية. وعندما كنا في الجامعة وحتى في المرحلة الثانوية لم تكن لدى علاقة بالكرة. ولكن كنت أمارس كرة السلة وبعد أن جئت إلى الجامعة أصبحت ألعب “البنج بونج”. وعندما كنا في المفاوضات بكينيا كنا نلعب “كركت بول” كثيرا وكانت هذه واحدة من صنع علاقات مع الخواجات وفرصة للحوار. وبالنسبة لانتمائي الرياضي فأنا اشجع الهلال منذ أن كنت في بريطانيا.

الصيحة


تعليق واحد

  1. كثير من الذين تجري معهم لقاءات ينسب بعض الأحداث في حياته إلى فترة زمنية غير محددة وغير معروفة للقراء , كمثل الإجابة عن السؤال الأخير وفي السطر الأخير : (… فأنا أشجع الهلال منذ أن كنت في بريطانيا ) طيب , متى كنت في بريطانيا ؟ أنا لآ أقصد أنني أريد أن أعرف متى كان لأن السؤال والإجابة غير منتجين ( لافائدة منهما ) !! ولكنني أقصد أن الإحالة في السؤال أو الإجابة على مجهول غير سديدة وهي خطأ أسلوبي ويكون أكثر خطئاً لو ورد في أسئلة الامتحانات / أي امتحانات / لأن الخطأ في الإجابة عن السؤال الأساسي يترتب عليه الخطأ في الأسئلة المتفرعة عنه !! ثم إن الصحفي سأل أمين ح عمر عن الجامعة , ولكن لم يسأله عن المجال العلمي الذي درسه ولا عن تخصص الدراسات العليا !! فهل هناك توصية من أمين بأن لا يسأله عن ذلك لوجود اختلاف في التخصص بين الدراسة الجامعية الأولى وبين ما يليها من مراحل الدراسة العليا حتى ولو كانت في أمريكا , مثلاً !!