جعفر عباس

المدارس والتعذيب (1)


أكدت دراسة أجريت في المغرب قبل سنوات ان 87 بالمائة من طلاب المدارس يتعرضون للعقاب الجسدي بانتظام، وأن 72 بالمائة من المدرسين اعترفوا بأنهم يمارسون ذلك النوع من العقاب، وأن أداة الضرب المفضلة لدى 42 بالمائة من المدرسين هي خراطيم الماء، بينما يستخدم البقية العصا والمسطرة.
وقال 44 في المائة من الطلاب الذين استطلعت آراؤهم انهم تعرضوا للضرب صفعاً بالكفوف على الوجوه/ الخدود أو ركلا بالأقدام (الشلوت). والإيجابي في هذه الدراسة – إن كان في الأذى الجسدي ما هو إيجابي – ان الجهة التي أجرتها هي وزارة التعليم المغربية، وقد شملت الدراسة أكثر من خمسة آلاف طالب ومئات المعلمين من بينهم 194 «مديرا»، وبالتأكيد فإن ما حمل الوزارة على إجراء الدراسة هو تزايد الشكاوى من العنف في المدارس، ومنها أن معلمة قامت بحرق يد طالبة، بينما قامت أخرى برمي طفل صغير عبر نافذة حجرة دراسة في الطابق الثاني من مبنى المدرسة.
وبداهة، فإن وزارة التعليم المغربية لم تقصد بالدراسة التشهير بالمعلمين بل فعلت ذلك من باب الاعتراف بوجود مشكلة تربوية تحتاج إلى مكاشفة ومن ثم إلى حلول، وهذا مسلك حضاري ومبادرة طيبة وكريمة من مسؤولين في تلك الوزارة يعرفون أن العقاب الجسدي القاسي ينسف البعد التربوي في العملية التعليمية، ولو وجدت وزارات التربية والتعليم في بقية الدول العربية الشجاعة لإجراء دراسات مشابهة لاختلط الأمر عليها: هل هي تدير مدارس أم معتقلات (طبعا التعذيب في المعتقلات العربية أمر مألوف وما فيه شيء!).
والعنف تجاه الطلاب يولد العنف تجاه المعلمين، فصرنا نسمع عن طلاب يعتدون على معلميهم بالضرب أو يهشمون زجاج سياراتهم، لأن العلاقة بين الطرفين إذا لم تقم على الاحترام المتبادل، وصارت علاقة بين جلاد وضحية، تحولت المدارس إلى أماكن بغيضة إلى نفوس المعلمين والطلاب على حد سواء! ولذلك عندما كانت المدارس في السودان تسير على النظام الانجليزي وكان العقاب الجسدي معمولا به على نطاق محدود، كان هناك شخص مكلف بعمليات جلد الطلاب في مدرسة وادي سيدنا الثانوية التي كنت طالبا فيها وكانت تدار بنفس طريقة مدارس النخبة مثل هارو وإيتون البريطانيتين الشهيرتين، كان الصول بابكر (وكان عسكريا متقاعدا ورتبة صول تأتي بعد رتبة رقيب أول في زماننا هذا) مسؤولا عن قرع الجرس والطواف على حجرات الدراسة لتسجيل الحضور والغياب و…. جلد الطلاب: يعطيك المدرس ورقة يحدد فيها عدد الجلدات المقررة لك – ولم تكن تزيد على خمس – ويتولى العم بابكر عملية الضرب، ولم نكن نكره مدرسينا أو العم بابكر.
وقد أكمل معظم طلاب زماننا المرحلة الثانوية من دون أن يتعرضوا للضرب ولو مرة واحدة، ولكن المئات منا تعرضوا لعقاب طريف وخفيف هو الحبس detention الذي كان يتم في قاعة ضخمة ويتم تكليف الطالب المُعاقَب خلال فترة الحبس – أقصاها 3 ساعات – بنسخ كذا صفحة من القاموس، أو كتابة جملة ما من نوع «أتعهد بعدم ممارسة الشغب واللعب أثناء حصص الدراسة» نحو 300 أو 400 مرة، وهي عملية مملة، ولم يكن الحبس هينا على قلوبنا لأنه كان يتم في ساعات النشاط واللعب. الجميع من حولك يلعبون وينططون وأنت محبوس، وكان أقسى جانب في العقوبة أن يكون معك في الحبس نحو عشرة آخرين، ولكن تجلسون متباعدين ولا يسمح لكم بالكلام، ولكن ما كان يخفف على النفس وقع عقوبة الحبس أن أحد المدرسين كان ينحبس معنا لأنه مكلف بمراقبة الجانحين، وكثيرا ما صادفنا مدرسا «زُهجيا» يطلق سراح المحبوسين قبل انقضاء مدة العقوبة.

jafabbas19@gmail.com