جمال علي حسن

تمويل مياه الشرب أو تدويلها


ليس التدويل الذي أتحدث عنه هنا هو ذلك المفهوم الاستعماري بمعناه الشائع والراسخ في العقول العربية بل نريد أن نطرحه اليوم بالمعنى الحقيقي للمصطلح الذي يعني المشاركة الدولية لتنفيذ عمل معين..
قضية مياه الشرب في ولاية الخرطوم ترتبط بجانبين الأول يتعلق بالإمكانيات المادية المطلوبة لعلاج المشكلة علاجاً ناجعاً وجذريا، أما الجانب الثاني فهو جانب إداري يأتي في المرتبة الثانية بعد أن تتمكن الدولة من تجديد شبكة المياه بالكامل وبناء محطات ذات كفاءة فنية عالية لتغذية العاصمة بالمياه الصالحة للشرب.
وأمام هذا التحدي هناك خياران الأول هو التمكن من تمويل مشروع مياه الشرب بأحدث وأكفأ التقنيات لأنه لا شيء أهم منها أو اللجوء إلى الدول الصديقة والمنظمات الدولية المتخصصة في هذا المجال لتولي هذه المهمة دعماً للشعب السوداني.
لأن الواضح جداً أن هناك عجزاً حقيقياً في إمكانيات الدولة في السودان، وأن القضية لا ترتبط بمهارات والٍ أو مسؤول أو بقدراته التنفيذية فقط أكثر من ارتباطها بتوافر الميزانية الكافية لمعالجة المشكلة بالكامل.
حكومتنا الآن أصبحت لديها صداقات جيدة مع دول الخليج العربي التي ترغب في التعاون مع السودان وهي دول لديها إمكانيات كبيرة وبنود صرف ضخمة على مشروعات الدعم الخيري والإنساني في أنحاء العالم بجانب التزامات علاقاتها الدبلوماسية والثنائية مع السودان ورغبتها في إسناد الشعب السوداني الذي يدرك هؤلاء أنه يتحمل الآن الكثير من نتائج الظروف الأمنية والاقتصادية التي تنعكس مباشرة على حاله العام.
عدم توافر مياه الشرب النقية لملايين السكان في السودان يعني وجود قضية إنسانية حقيقية يواجهها هؤلاء.. كما أن المكابرة وانتظار الحلول الأسطورية والهلامية يؤخر ويعقد هذه القضية ويفاقم من نتائجها الكارثية المتوقعة.
عدم توافر مياه شرب كافية وصحية ونقية يعني وجود منقصة كبيرة في حياة المواطنين تجعلهم معرضين للإصابة بأمراض العطش وتلوث المياه..
دولوا قضية نقص المياه وتلوثها في الخرطوم ومدن السودان بين الأصدقاء من الدول التي لديها الرغبة في دعم الشعب السوداني والأخذ بيده واطرحوها للمنظمات المتخصصة فمنظمة الصحة العالمية تقول في تقاريرها عن تلوث المياه إن نحو 2 مليون شخص منهم 1.4 مليون من الأطفال يلقون حتفهم – سنويا – جراء شرب المياه الملوثة حول العالم، وتؤكد تقارير المنظمة أن الإجراء الأول الذي ينبغي اتخاذه فورا لتحسين مستوى الصحة العالمي هو توفير المياه المأمونة لملايين البشر الذين يشربون مياها غير صالحة للاستهلاك الآدمي وملوثة بمخلفات الصرف الصحي والنفايات الصناعية السامة..
ملايين المواطنين في ولاية الخرطوم ومدن السودان المختلفة يعانون نقص مياه الشرب وتلوثها، هذا هو واقع تؤكده (الحنفيات) الجافة والأخرى التي ترسل إمداد الطين بدلاً من مياه نقية ينتظرها المواطن.. والدولة تعجز إمكانياتها عن معالجة المشكلة وتوفير المياه وتنقيتها برغم استقرار عملية تحصيل الإيرادات الخاصة بالمياه مؤخراً.. فماذا تنتظرون..؟ إما تدويل قضية مياه الشرب أو تمويلها بقروض خارجية.. وأي كلام غير ذلك هو مضيعة للوقت ومجازفة بصحة المواطن.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.