مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : «مازن» الوفاء


عشرة أيام انقضت على اغتيال الطفل اليمني مازن عمر الرزيقي، ذلك الصغير الذي حينما أراد أن يعبّر عن حبه للملك سلمان بن عبدالعزيز، عاجله الحوثيون بالقتل شنقا عقابا له على مشاعره.
تعود القصة المأساوية للطفل مازن لكونه ارتدى تي شيرت يحمل صورة الملك سلمان فقام مسلحو جماعة الحوثي بإعدامه شنقا غرب العاصمة صنعاء، وتم تناقل صورته على مواقع التواصل الاجتماعي وهو ملقى على الأرض وقطعة قماش ملفوفة على عنقه.
ويتضح من هذه الحادثة أنّ الحوثيين لم يكتفوا بتجنيد الأطفال وإنّما زادت وحشيتهم بتصفية الخصوم، حتى ولو كانوا أطفالا.
أتفكر أولا في اللفتة الإنسانية من طفل صغير يبادل حبا بحبّ، وإذا كان ثمّة تقدير فسيكون لروح هذا الطفل وهذا الشعور الطيب من قِبله، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أنّ ثقافة المجتمعات العربية تلزم أفراد المجتمع بالممارسة الصامتة للتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم حزنا كانت أو فرحا وتمنيا.
ومن هنا تبرز إشارة مضيئة تعكس هذا النوع من المواساة وإشراك الناس فيها، وبها يكون قد ارتد إلينا إحساسنا بالأشياء النبيلة من حولنا.
بهذا التعبير العميق عن الوفاء لأهل الوفاء يكون مازن، وهو الطفل اليافع، قد أوصل رسالة، مفادها أنّ الوفاء لمشاعر المحبة أسمى من كل معنى آخر، خاصة لو كان محلّ التقدير في مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بحنوه وعطفه ودفاعه عن أهل اليمن وعن الشرعية في بلادهم.
جاء مازن ببيّنات للكبار، لغيره من الّذين لا يحبون ولا يثورون ولا يبكون ولا يموتون.
رحل منهم محبّا يحمل في نظراته أنهارا تجري في أحشاء الجمر المعذّب للطفولة العربية وليس اليمنية فقط.
مازن هو أحد حلقات مآسي الأطفال الذين يقضون في الحروب والصراعات، وغيره هناك ضحايا الفقر ممن يفتشون في القمامات عن لقمة خبز، أو ينتظرون جرعة دواء، أو هجروا ـ وهم كثيرون ـ في مثل عمره مقاعد الدراسة ليبحثوا عن عمل.
وهو مثال لحالات عدة من الأزمات التي تواجه الأطفال..لا تبدأ بالمرض والفقر والجهل ولا تنتهي عند القتل شنقا بواسطة الجماعات الإرهابية من كل صنف ولون.
ترك هذا الطفل بيننا حديثا مع أقرانه عندما تلتقي أعينهم بأعيننا صدفة لتطرح أسئلة تثقل رؤوسهم التي لم تنفتح بعد للإجابة عن استفهام حظهم من الدنيا، وتتطلع إلى حلول وأجوبة بعيون ذات نظرة بريئة وناقمة في نفس الوقت.
وهو كذلك حديث عن المستقبل المجهول وعن الغد، وعن مصير الطفولة التي سكتنا على عذاباتها زمنا طويلا.
فقد الإنسان عزيز، وحينما تنشب الحروب أظفارها في أجساد الأطفال الغضة وتسلب أرواحهم البريئة، يستدر هذا الفعل الألم والغضب من هؤلاء الذين يغتالون البراءة والطفولة.
عندما يجيء ذكر موت طفل في أي بقعة من هذه المناطق المنكوبة تتراءى مناظر الأطفال الذين يقضون لذات السبب في اليمن وسوريا والعراق والسودان.
حدّثنا مازن عن معاني الوفاء ثم رحل.
ولو أنّه بموته رحل على متن سفينة نوح المبحرة بملايين من أطفال الحروب والنزاعات في الدول العربية الّذين قضوا في ظروف مشابهة تخطفّهم الموت فجأة، وفي ظروف أشد قسوة لم تستطع أجسادهم الطرية هزيمة الموت، إلّا أنّ لموت مازن أكثر من معنى فكأنّ رمزية ارتدائه لصورة رمز يحبه وكأنّه يتوجه للموت في عزّ وسؤدد.
مضى مازن الذي اعترضته مشنقة الحوثيين وحملته شهيدا رغم فداحة الجرم إلى عالم لا حرّ فيه ولا برد.
ترك خلفه أطفالا غارقين في وطن مليء بالويلات، ينهضون كل يوم في انتظار الأحلام ينادونها من تخوم الذهول ليعود اليمن بالأمل كما كان سعيدا.

mona.a@makkahnp.com