رأي ومقالات

الغريب أن شعارنا كان ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع


بالأمس عاد جارنا المستشار من اجازته بعد طول غياب—رأيته صباحا امام الفيلا وكان يراقب بحرص شديد اخراج مجموعة من الأثاث الجميل والمصنوع بدقة من حاوية ضخمة متوقفة امام منزله العامر—توقفت نسبة لحركة العمال وفي ذات الوقت فرصة طيبة لأملأ عيني من هذا الابداع ونعمل لايك وكدا ..(بما أن الشير أراه بعيد المنال)—–لاحظ المستشار توقفي فاتجه الى ناحيتي محييا ومعتذرا –فقلت له لا عليك –ثواني واواصل طريقي—كنت لأول مرة أتبادل معه الحديث فقد اعتاد ان يومئ في اتجاهي بالتحية بدون اضافة الكلمات—قلت له (مبروك العفش—من ماليزيا مش كدا؟)—فرفع حاجبيه دهشة —وقال (معقولة يا مدام؟ دا أسباني اصلي–)—قلت له (انا ذاتي قلت كدا)—ضحك عاليا –وكأنه فهم ما ارمي اليه—-انتبهت الى ان المستشار يكتب شيئا ما في ورقة صغيرة مدها لي قائلا (دا عنوان المصنع –اذا مشيتوا اسبانيا –ممكن يدوكم ليهو بسعر ممتاز)—شكرته بامتنان ظاهر وتابعت طريقي وأنا اضحك –اسبانيا؟ مرة واحدة—كنت كما الكثيرين من حولي نعتقد ان قمة الاثاث هو ذلك الذي يأتي من شرق اسيا—فاذا بالموضوع وصل ناس برشلونة وريال مدريد وميسي ورونالدو—كذلك كنت اعتقد ان اخر ما تحلم به السودانية هو التوب السويسري –فاذا بي اتعرف على وارد النمسا والراتي الايطالي—حقيقة اللي يعيش ياما يشوف—ولكني انتبهت فجاة الى اننا بلد مستهلك حتى النخاع—-حتى أزياءنا القومية تصنع بأيدي اناس اخرين—هذا الاثاث الجميل المصقول —مصنوع من خشب كاخشاب بلادي —ورغم ذلك نستورد الاثاث من كل دول العالم —كل حسب قدرته وامكانياته—ببساطة لأن الصناعة السودانية ينقصها الكثير من الاتقان— اذ لابد ان تجد نوعا من (الكلفتة ) في الصناعات الحرفية—أذكر انه في الزمن الجميل كانت هناك مدارس صناعية منتشرة في جميع انحاء السودان –كان يتخرج منها خيرة النجارين والميكانيكية وكذلك كانت هناك مدارس ومعاهد فنية لفنيي التكييف والتبريد —هذه المعاهد الوسيطة مهمة جدا للدفع بالصناعة والمحافظة على مستوى الاتقان —ولكن طبعا اتتنا ثورة التعليم العالي فالغت كميات من المعاهد —وقلبت الى جامعات —وتكدس الخريجون بالالاف الذين يرفضون القيام بمهن يدوية ويريدون ان يصبحوا من ذوي الياقات البيضاء –جالسون خلف المكاتب والتكييف—وكما هجر المزارعون الزراعة واتوا الى العاصمة ليعملوا في مهن غريبة عليهم— انهارت كذلك الصناعة بغياب الايدي المهرة —فاصبحنا بقدرة قادر لا صناعة ولا زراعة —الغريب أن شعارنا كان ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع –فاصبحنا كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى—غايتو انا بقيت اعتقد انو القصيدة دي كانت (كج) علينا—كنا في امان الله عايشين وكافين خيرنا شرنا –فوقعنا كذلك الفأر في جرة الخمر وخرجنا ونحن نقول اين القطط!!!!—اها ياجماعة وصلت الى مقر العمل ..لبداية اول يوم دوام بعد اجازة العيد ….كل سنة وانتم بالف خير

د. ناهد قرناص


‫7 تعليقات

  1. تحياتي د.
    بمتابعتيبمتابعتي لكتاباتك المتميزة دائما أجد تنكئي في جراحات الوطن التي لا تحصى ولكن القضية لاتتحمل في الإنتاج فقط المشكلة أيضا في التسويقالتسويق حيث بلغ الإنتاج من التمور وخاصة الجافة كمية لا تحصى ولا تعد ولم تفكر الدولة في طرق تسوق جديدة فقط تهتم وزارة التجارة بالوارد ووضع الاتصالات ولم تهتم وتفتح أسواق للصادر هل تصدق أن نصف كيلو التمر الجاف المصري بركاوي ملخبط بالجاو وليس بجودة التمر السوداني يباع في الخليج ب 16 ريال يعني الكيلو 32 ريال بالسوداني الكيلو يساوي 80 جنيه سوداني.
    البصل في الشمالية قبل عامين تكلفة حصاده تفوق سعره في السوق في حين البصل الهندي يسيطر علي كل الاسواق في الخليج.
    يعني الدولة حتي تنهض لابد من عمل اشياء كثيرة في كل مجال ولابد من التحرك الإيجابي الذي يصب في مصلحة الوطن والمواطن وهذا جزء بسيط من كثير .
    فليدع كبار المسؤولين الكندشة والوناسة والصفقات ويتجهوا لإيجاد أسواق.

  2. الدكتورة ناهد قرناص
    تحياتي
    أتابع كتاباتك دوماً، أسلوب جميل وسلس. أتمنى لك التوفيق

  3. لا تنسي
    واتجه الجميع لنيل الماجستير والدكتوراه لزوم الهجرة لدول الخليج

  4. غايتو خسارة الدكتره دى
    حقد وحسد منك وزول لو ربنا اداهو يشترى محل ماعايز. بعدين احترمى انو هو جاركم مش تشيلى حالو كده.
    بئس الصحافه

  5. (( الغريب أن شعارنا كان ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ))……… ولكننا لم نزرع ما نأكله ولم نصنع ما نلبسه وضيّعنا أكبر مشروع إقتصادي في إفريقيا، وضيّنا تصدير الذهب الأبيض بالإهمال الزراعي،وأهملنا تصدير صمغنا الفريد المُتفرِد ، وضيّعنا خط هيثرو والناقل الوطني، وضيّعنا ( كم سفينة بحرية) عِماد خطوطنا البحرية، وأشياء ضاعت من الذاكرة من شِدة المغصة لضياعها.
    كتاباتك دائماً مميزة فمزيد من التألُق والإبداع.