يوسف عبد المنان

محنة “هلال”


قبيل عيد الفطر المبارك غادر الخرطوم بصورة مفاجئة شيخ قبلية المحاميد “موسى هلال” للقاهرة بعد حالة من السيولة في علاقات “هلال” بحزبه الذي أختاره بطوعه بعد إطلاق سراحه من السجن الذي أودعه فيه حاكم دارفور الأسبق الجنرال “إبراهيم سليمان” وغداة خروجه من السجن بات الشيخ “موسى هلال” قريباً جداً من الدوائر العليا في الدولة والحزب، وعمل “هلال” من خلال وجوده في دارفور على تقزيم حركات التمرد والقضاء على عنفوانها وقد وضع “موسى هلال” بندقيته في خدمة الحكومة ودفع الرجل ثمن ذلك غالياً وكاد أن يطلب في محكمة لاهاي شأنه و”البشير” و”هارون” لكنه مد خيوط الاتصالات بدوائر دولية في الخرطوم جنبته مغبة الدخول في معمعة المحكمة خاصة وأن الرجل لا يكف عن توجيه النقد سراً في تلك الفترة للنظام ولكنه في ذات الوقت ينال كثيراً من التقدير والاحترام في مراجع الدولة العليا وتجاوز “هلال” بطموحه غير المحدود كل قيادات النظام الأهلي في السودان وهو يصبح مستشاراً في ديوان الحكم الاتحادي ليجمع بين السلطات الثلاثة رئيس نظام أهلي له محكمة وسلطة قضائية ونائباً في البرلمان له سلطة التشريع ومستشاراً في الجهاز التنفيذي، وهو يملك ثروة موروثة في بادية المحاميد في دارفور وعقارات في الخرطوم.
لكن طموح “هلال” بلا سقف مما جعله يخوض معركة تكسير العظام مع أحد أركان المؤتمر الوطني في دارفور “عثمان كبر” حتى تمت الإطاحة به، ولكن خروج هلال من الخرطوم لبادية غرب السودان ومظهره وسلوكه السياسي جعل الشكوك تتسرب لبعض دوائر الحكم المؤثرة بأن الرجل يخطط لفعل ما والسعي للي ذراع السلطة وإرغامها على تنفيذ رغباته عنوة، وبين هذا وذاك لم تخلُ علاقة “هلال” بحالات مد وجزر وعواصف وسكون حتى عاد بصورة مفاجئة لحضور تنصيب الرئيس وسط زخم كبير من أتباعه من الشباب الذين يحيطون به وهم شباب من مختلف ولايات دارفور ومن مشارب سياسية عديدة، ويعتقد على نطاق واسع أن هؤلاء الشباب لهم تأثير كبير علي تفكير “هلال”.
كانت رؤية الأجهزة الأمنية والعسكرية متقدمة علي الأجهزة السياسية ومدير جهاز الأمن الفريق “محمد عطا المولى” يزور “هلال” في مقر إقامته وهي عودة ساهم فيها جهاز الأمن من خلال ممثله اللواء “دخر الزمان عمر” مساعد المدير العام ولكن “هلال” بعد ذلك ظل في الخرطوم ينتظر التفاهم السياسي مع قيادة حزب المؤتمر الوطني الذي وزع السلطة للأحباب والمريدين وفق ما يشتهون، ولكن تقاصرت خطاه نحو “هلال” ليغادر قبل العيد للقاهرة في رحلة مثل سائر رحلات السياسيين لأرض الكنانة التي يلوذ إليها المعارضين من كل جنس ولون وظلت القاهرة مستفيدة من الوجود السوداني المعارض تساوم به في الشأن الثنائي وتتخذه وسيلة ضغط على الخرطوم في الوقت الذي لا تحتمل القاهرة حتى الوقوف المعنوي لبعض القوى السياسية مع سجناء الضمير في مصر وقد هرع الإمام “الصادق المهدي” إلى لقاء “هلال” ليلتقي زعيم الحزب وزعيم العشيرة وكلاهما يبحثان عن مخرج وخلاص جمعي لقضايا البلاد كما يعتقدان، ولكن أي الطرق يسلكها “هلال” وما هي خياراته؟ وهل سيصبح جزءاً من شتات المعارضة أم يعود للخرطوم ويتفاهم مع قيادة حزبه وحكومته ويطور من مبادرة تقديم التهاني للبشير بمناسبة فوزه إلى تفاهمات حقيقية؟
نواصل غداً