هيثم كابو

وردي.. التفكير والتكفير


* قلنا أمس إنه من الصعب تماماً سماع أغان وطنية ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﺤﺠﻢ ﺍﻟﻌﺸﻢ ﻭﺍﻟﻄﻤﻮﺡ تتجاوز نصوصها تلك (الأعمال المصنوعة) التي ﺗﻜﺘﺐ ﺧﺼﻴﺼﺎً ﻟﻠﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎﺕ (الحكومية) ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎﺕ (الرسمية) ما لم ﺗﻜﺘﺐ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺩﻭﻥ أن ﺗﻤﺘﺪ ﻟﻬﺎ ﻳﺪ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺎﺗبها (ﺗﺮﺯﻱ ﻣﺎﻫﺮ)، وأشرنا صراحة أن حال الغناء الوطني لن ينصلح ما لم ﻳﺪﺭﻙ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ أن ﺍﻟﻐﻨﺎﺀ ﻟلأﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، إﻧﻤﺎ ﺍﻟﻐﻨﺎﺀ ﻟﻠﻮﻃﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﺷﺎﻣﺨﺎً ﻭﺭﺍﺳﺨﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﺮ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ ﻭﺍلأﺯﻣﻨﺔ.

* بعض الأصدقاء في (قروبات واتساب) تضم مجوعة مستنيرة من الشعراء والفنانين والأدباء علقوا على المقال باستفاضة وقالوا إن هناك فنانين تغنوا لأنظمة سياسية لأن تلك هي قناعاتهم، وينبغي أن يحترم الناس وجهات نظرهم فالأمر يمثل (رؤية خاصة)، ويجب ألا يتم تجريمهم أو تصويرهم وكأنهم مستفيدون ومسترزقون ومتسلقون..!

* الحقيقة التي لا جدال حولها أن أصحاب القناعات قلة جداً، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: كم من شاعر وفنان يكتب للأنظمة بإيمان ويغني للأحزاب بفهم؟.. وهل المغني المؤمن ببرنامج الحزب الذي يعتلي خشبات مسارحه، أو المرشح الذي يُبشر ببرنامجه في (مواسم الانتخابات) يفعل ذلك بدوافع وطنية وقناعات حزبية؛ أم أنه يتغنى في تلك الاحتفالات بمقابل مادي، ويتعامل مع (حملات الانتخابات) باعتبارها مصدر رزق و(رُبطة محترمة تسند قفا العدادات)..؟

* ليس من العيب أن تغني لحكومة أو نظام شريطة أن تكون مقتنعاً بسياسات الحكومة التي تغنيت لها وألا تغير مواقفك وتبدل كلماتك متى طرأ جديد أو شعرت بأن الشخص الذي تغنيت له فقد كرسيه وينبغي الإسراع لمحو خطيئة الغناء له بمدح خلفه.!!

* نعم، هناك من غنى لنظام سياسي عندما اقتنع بطرحه، ثم سرعان ما انقلب عليه و(كفّر) ذنب التبشير به مردداً أغنيات تناهضه ودفع فاتورة تلك القناعات والمواقف والنضال تشريداً ونفياً وحبساً، تماماً كما فعل محجوب شريف ومحمد وردي مع نميري فبعد (يا حارسنا ويا فارسنا) جاءت (لاك حارسنا ولاك فارسنا)، وتواصل النضال وصولاً إلى (بلا وانجلى وانهد كتف المقصلة)..!

* في الذكرى السابعة والثلاثين لثورة مايو سألت فنان أفريقيا الراحل محمد وردي عن تغنيه لمايو، وكان وردي شجاعاً كعادته وهو يجيب قائلاً بالحرف الواحد:

(خدعتني شعارات مايو فغنيت لها، وعندما اكتشفت الحقيقة غنيت ضدها).

* حديث وردي ضاعف من احترامي له وأكد أنه واضح في إفاداته.. صريح في آرائه.. يمتلك قدرة فائقة على النقد الذاتي، ويمارس النقد على نفسه قبل أن ينتقد الآخرين، وإفادات وردي تلك أكدت أنه يمتلك النضج الكافي والمقدرة على استيعاب مستجدات المشهد السياسي، كما أنه أيضا يستطيع الفصل بين الأفكار والمعتقدات والأيديولوجيا الخاصة والانتماءات الحزبية وقضايا الوطن التي تتطلب مواقف شجاعة ومصيرية، و(لا عزاء لمن انتهى غناؤه الوطني بإسدال الستار على سنوات ((تمكين)) حقبة سياسية).!!

نفس أخير

* كل أجزائه لنا وطن.. إذ نباهي به ونفتتن.. نتغنى بحسنه أبداً.. دونه لا يروقنا حسن.