عثمان ميرغني

مرة عاشرة.. مائدة مستديرة


في العُرف الدبلوماسي.. عندما ترشح دولة سفيرها إلى دولة أخرى.. فإنها تنتظر ثلاثة أشهر.. إذا لم تتلقَ موافقة قبول ترشيح السفير فإن ذلك يعني تلقائيا (الرفض).. فترسل مرشحاً آخر.. وتنتظر ثلاثة أشهر.. وهكذا..
كان سهلاً أن يكون الرفض مباشراً وصريحاً وبرسالة من اليوم التالي للترشيح.. لكنه (العُرف الدبلوماسي) نوع من التعامل الرقيق غير الجارح للمشاعر الدبلوماسية..
حسناً.. الآن مر أكثر من عام ونصف على مشروع (الحوار الوطني) وبقدر ما تجتهد الأحزاب في الدعوة لبداية الحوار.. يزيد المؤتمر الوطني في المماطلة في تحديد ضربة البداية.. ألا يجب استخدام الفقه الدبلوماسي هنا لتفسير الأمر على أنه نوع من الانسحاب الهادئ.. والرفض.
من الحكمة (بل ومن الذوق) أن تدرك الأحزاب أن كلمة (حوار) لا تعني أبداً أن المؤتمر الوطني يجب أن يكون أحد الأطراف.. لماذا لا تحاوروا أنفسكم للوصول إلى توافق ترفعونه إلى حوار مع الشعب السوداني صاحب الأرض والوطن..
اقترح العودة للمقترح القديم الذي كتبته هنا قبل حوالي أربع سنوات.. تنظيم (مؤتمر المائدة المستديرة) السودانية.. الذي ينظر في تقديم (وصفة) سودانية حلل الأزمة السياسية..
مؤتمر تشارك فيه العقول السودانية بمنتهى الانفتاح دون التلزم بالبطاقات الحزبية أو غيرها..
وكونه (مائدة مستديرة) لا يعني مجرد الشكل المظهري الدائري.. بل تساوي وتكافؤ التمثيل.. بما يستوجب أن يناط لقيادته وإدارته جهة محايدة قومية وقورة لا تحتمل المساس.. واقترحت أن تكون جامعة الخرطوم فهي واحدة من أهرامات السودان الشامخة.. وفقدت كثيراً حينما تخلت عن دورها الوطني وتحول لمجرد (مدرسة) لا علاقة لها بقضايا الوطن..
إن صدق العزم فتنظيم مؤتمر يشارك فيه الجميع بلا من أو أذى أمر سهل ومائة جهة داعمة ومانحة تستطيع أن تتكلف بكل تكاليفه.. وليس مطلوباً منه إلا أن يصمم معادلة الحل.. ومسار الطريق للخروج من النفق.. وصورة إطارية لمستقبل السودان..
استبطان النوايا الأخرى من أطراف الحوار الحالي هو سبب كل هذه المماطلة.. المؤتمر الوطني يرى أنه ومن معه من أحزاب لا يحتاجون لأي جهد لإركاب من لم يركب في سفينة الانتخابات الماضية.. والأحزاب المعارضة تظن (وبعض الظن إثم) أن مشروع الحوار ليس إلا مدخل ذكي لاستغفال المؤتمر الوطني حتى تتمكن (دليلة) من قص شعر شمسون وهو نائم..
الوطن لا يحتمل مزيداً من الانتظار.. ترجلوا (لم أقل أرجلوا) من القاطرة المعطوبة التي لا تتحرك.. وابتدروا حواراً منتجاً يصنع الحل المنتظر..