الطاهر ساتي

دولة اللجوء ..!!


:: أيام الإستعمار، و فينا من يرثي تلك الأيام، كان المفتش الإنجليزي المسؤول عن بعض القرى رحيما بالدواب..وأثناء مروره بإحدى القرى، ضبط مزارعا يضرب حماره، فنادى البوليس وأمر بحبس هذا المزارع لحيث سداد الغرامة .. رفض المزارع السداد وبقى في الحبس أسبوعا بمنطق : ( ده حماري و أنا حر فيه)..ثم لم يحتمل الحبس، فدفع الغرامة مكرهاً وخرج ..فوجد الحمار في رعاية إدارة السجن غارقاً في نعيم البرسيم والقصب والمياه.. سلموه الحمار، ولكن رفض أن يغادر النعيم، فصاح فيه : (آآي أنت يا آخوى تانى مابتمشى مادام أبوك بقى المفتش)..!!
:: ويبدو أن الناس في بلادنا بحاجة إلى رحمة كتلك التي شملت حتى الدواب في زمن الإستعمار .. فالسيد وزير الكهرباء يتمسك بزيادة تعرفة الكهرباء رغم أنف البرلمان الذي رفض هذه الزيادة قبل العيد، ويؤكد على تطبيق التعرفة الجديدة في الفترة المقبلة..أي زيادة تعرفة الكهرباء مسألة وقت ليس إلا، وليس مسألة إجراءات تتحكم فيها المسماة – مجازاً – بمؤسسية الدولة..ولو كانت بالدولة مؤسسية، فالسيد وزير المالية – وليس وزير الكهرباء – هو المعني بتعرفة الكهرباء والحديث عنها..نعم، مهمة وزارة الكهرباء – لو كانت الدولة دولة مؤسسات – هي فقط الإنتاج و التوزيع، بيد أن التعرفة مسؤولية وزارة المالية .. !!
:: لا يحدث إلا في السودان ..البرلمان يرفض والمالية تبصم والكهرباء (تقرر وتنفذ)، هكذا شكل الإدارة العامة في بلادنا..إدارة (زي الدافوري)، فالكل يهرول وراء الكرة – بدون سيستم – لهزيمة المواطن بأكبر قدر من الأهداف.. وعندما يتحدثون تكاليف الإنتاج كمبرر لزيادة التعرفة، فأنهم ربما لا يعلمون بأن الكهرباء – كما المياه والتعليم والصحة – خدمة وليست سلعة..والخدمة تعني في العرف الإنساني ( الحق)..والحكومة ملزمة بتوفير هذا الحق للمواطن بأقل تكلفة..وهذا ما يحدث في البلاد التي سلطاتها تعرف الخدمات و تقدس حقوق رعيتها، وليس في بلادنا التي تحولت فيها كل الخدمات والحقوق الى سلع تباع وتشترى بأعلى الأسعار.. !!
:: ولذلك، بجانب الزيادة المتوالية في التعرفة، ليس في الأمر عجب بأن يكون العقد بين المواطن وسلطات الكهرباء في بلادنا ( عقد إذعان)..نعم، ملزم هذا المواطن المنكوب بشراء العداد والعمود والأسلاك ثم يتنازل عنها – مكرهاً – لسلطات الكهرباء..وكذلك، ليس في الأمر عجب أن يقصد المواطن – خلال الفترة القادمة، كما حددها وزير الكهرباء – نافذة شراء خدمة الكهرباء، ويتفاجأ عند النافذة بزيادة التعريفة..ثم يجد نفسه بين مطرقة الشراء بسعر الإذعان وسندان التخلي عن هذا المسمى – في بلاد الآخرين – بالحق ..وبالمناسبة، لكي لا ننسى، فالزيادة الأخيرة في تعرفة الكهرباء – يوليو 2012 – أيضا كانت (مفاجأة)..ولم يعلم بها – حتى نواب البرلمان – إلا أمام ..(نافذة الشراء)..!!
:: ومن الغرائب، بعد تلك الزيادة، خرج رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان للناس قائلاً بالنص الموثق في الصحف : (حاولت الإتصال بوزير الكهرباء لإستفساره حول زيادة التعريفة، ولكن لم إتمكن من الوصول إليه..وشرعنا في تقصي آثار الزيادة).. هكذا كان، ولايزال النهج.. وعليه، فالقضية ليست هي فقط (الكهرباء ح يزيدوها)، أو كما يختزلها البعض وكأن الكهرباء فقط (هي اللى زادوها)..بل النهج الإداري الذي يتجاوز رفض البرلمان و يرغم وزارة المالية على الصمت، ثم يضع المواطن على هامش القرار بحيث يكون (آخر من يعلم)..وعندما يعلم، ما عليه إلا أن يطيع القرار مرغماً ومكرهاً كأي لاجئ تلزمه المواثيق الدولية بالإنصياع لقوانين وقرارات ( دولة اللجوء)..!!


تعليق واحد

  1. حرام عليك يا ود ساتى انت داير مسئولينا يركبوا الفارهات ويسكنو القصور من وين يعنى انت دايرهم يتبهدلوا زينا ولا شنو
    بلد ما عندها سيد