تحقيقات وتقارير

أول مسرحية خيال الظل في السودان.. تجيب على سؤال الهوية للسودانيين الكبار


(أمنية حمور) مسرحية خيال الظل قدمت للأطفال لكنها قد تجيب على سؤال الهوية للسودانيين الكبار

تدور احداث مسرحية (امنية حمور) للطفل في غابة الامنيات حيث هناك يوم يسمي (يوم الامنيات) و الذي ياتي كل ستة سنوات ليتحقق حلم واحد من الحيوانات، فهنالك احلام طبيعية ومعقولة واحلام غيرمنطقية.
وضمن أحداث المسرحية نجد حلم التنمية كما في (حلم غروب) تصغير للغراب، وحلم الامن و السلام كما في (حلم البلبل)، و التعليم كما في (حلم وحشي ). ولكن هناك حلم (حمور)، إذ يحلم حلم غير معقول وغير منطقي وهو ان يكون له جناحين.
ومن بين هذه الامنيات تتحقق امنية حمور وهو تصغير للفظ (حمار) فيتكبر و يتعالي علي اصدقاءه. و يفقد حمور هويته ما بين انه حمار وانه طائر، و تحل عليه لعنة فقدان الهوية و لعنة الجناحين الي ان يعي ان لا يتكبر وان يعود الي اصدقاءه.
وقد قدمت المسرحية فرقة سودان ببيت Sudan Puppet Group، و التي تضم في عضويتها عدد من خريجي جامعة النيلين، كلية التربية، قسم الدراما، و هم من العاملين في مجال التربية ، واعضاء مؤسسين لاتحاد العرائسيين السودانيين، وهو اول اتحاد من نوعه في الوطن العربي و افريقيا ، إذ تم تاسيسه في 11 مارس 2015 م .
وحتى الآن تم تقديم ثلاثة عروض بمسرح الفنون الشعبية بامدرمان بدا من يوم الاثنين الموافق 15 . 6 . 2015 م ، برعاية محلات جونيير بيبي و مركز الفيصل الثقافي . ويقول منتجوها إن عروضها ستتواصل لتقدم لاكبر عدد من المشاهدين في المستقبل بعد نجاح عروضها التجريبية على الرغم من أن السودان ليس به مسرح (مبني) مخصص و معد لمسرح العرائس او لمسرح الطفل إلى اليوم .
ويعرف مخرج ومؤلف المسرحية، فريد رزق الله جبريل، وهوممثل ومخرج من مواليد 1973م رئيس اتحاد العرائسيين السودانيين، وقد تخرج في جامعة النيليين – كلية التربية – قسم الدراما، إنها من فصل واحد، وتنتمي لمسرح العرائس، من نوع مسرح خيال الظل. واعدت لتخاطب الاسرة و الطفل ، فهي الاول من نوعها في السودان ، كعرض خيال ظل بالعرائس المسطحة، و كعرض يخاطب الاسرة و الطفل ، وليس المقصود هنا حضور الاسرة كمرافق للطفل ، بل تجد الاسرة ضالتها و موضوعاتها مثلما يجد الطفل موضوعاته في العرض ذاته.
ويقول إن تشكيل الهوية يحتاج لكثير من الزمن او للإتفاق معاً بالتنوع أو التماذج أو الإنصهار في بوتقة تسمي تعريفاً ومجازاً الهوية ، فامنية حمور هي سؤال الهوية (هل هو حمار ام طائر).
ويوضح أن مسرحية امنية حمور هي الاولي من نوعها لسببين، أنها كتبت لتقدم للاسرة و الطفل وانها الاولي في مسرح خيال الظل.وأنه على الرغم من ان خيال الظل يعد من اقدم اشكال فنون مسرح العرائس الا انه لم يتم توثيق او تدوين او تقديم عرض لمسرح خيال الظل في السودان ، و لم ترد اشارة بذلك .بيد انه تم قيام ورشة لمسرح خيال الظل في احدي دورات مهرجان ليالي البقعة المسرحية السابقة .
ويقول إن نشؤ فكرة تقديم عمل مسرحي للاسرة و الطفل يضم فئات عمرية مختلفة تتأثر بمسرح العرائس ، هدفت إلى تحرير خيال الطفل، وإطلاق العنان له في تغيير أي قصة ، فخيال الطفل قويّ ، كما تطلق له الحرية في التعبير عن أفكاره ، وفسح الطريق للابتكار في أي قصة معروفة مسبقاً للطفل ، كما يسمح للمحيطين به مشاركته عالمه وأفكاره ، بخاصة و ان قصة مسرحية امنية حمور مستوحاة من المنهج الدراسي لمرحلة الاساس .
كما إن التركيز على مسرح خيال الظل يساهم في تسلية الطفل، وإمتاعه وإثراء قاموسه اللغوي ، وتنمية قدرته على التعبير، ويعدّ وسيلة مهمة للتخفيف عن الضغوط النفسية ، وهو من أهم الوسائل التربوية والتعليمية التي تسهم في تطوير الطفل وتنميته عقلياً وفكرياً واجتماعياً ونفسياً وعلمياً ولغوياً .
ويضيف إن المسرح يعد ذا صلة قوية بتكوين سلوك الطفل وإشباع حاجاته الأساسية ، فالطفل يولد مزوداً بأجهزة وعي، تمكنه من استقبال جميع الفنون المختلفة، و مسرح العرائس على وجه الخصوص يؤمن جميع العناصر المهمة لاستيعاب الطفل خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، إضافة إلى كونه فناً درامياً تمثيلياً يوجه للأطفال من خلال شخصيات متحركة على المسرح تحمل الكثير من القيم التربوية والأخلاقية والتعليمية والنفسية.
أستاذ الدراما والناقد الفني د. صالح عبد القادر وصف المسرحية بأنها رائدة وجديدة ومغامرة ايجابية موفقة من مخرجها، في مضمار الدراما السودانية عامة ومخاطبة الطفل والأسرة على وجه أخص، إذ لم يسبق أن تم مثل إنتاج هذا العمل الموجه للأطفال فس السودان .
ويذكر أن التقنيات التي استخدمت في العرض واساليب الحركة كانت في مجملها ممتازة كما أن بنائية النص محكمة.
ومن الناحية التربوية والتعليمية تحمل قيم نبيلة موجهة للطفل والأسرة. فهي تقول (لا تكن أناني) (أرض عن نفسك) (حب الخير للجميع) و(لا تشذ عن أقرانك ولا تخرج من جماعتك وحافظ على قيمها وعلى مجتمعك).
ويضيف إذا نظرنا إليها بأعتبارها تجربة أولى ورائدة فهي ممتازة وتستحق التشجيع لانها يمكن أن تطور أكثر هذا وتظهر بأنماط مختلفة. لكنها تحتاج إلى التدقيق في مسالة اللغة وسلامة لفظها حتى لا يتأثر الطفل بأخطائها كما تحتاج إلى مراعاة ضبط الزمن ومدة العرض بحيث تراعى الاعمار المختلفة لاطفال وتحملهم.
الناقد المسرحي د. عبد الحفيظ محمد أحمد يقول عن المسرحية غنها تجربة جريئة وتحمل فكرة جديدة لافشاء ونشر هذا النوع من الفن المسرحي . كما فيها تجديد وإضافة لحركة ثقافة الطفل في السودان. ويقول إنه (مرتاح) لتنوع مشاهدات الطفل السوداني بهذا العرض الممتاز والذي لم يخيب ظننا كنقاد ومشاهدين. ويتوقع أن ينمو هذا العمل مستقبلا لقلة تكلفة إنتاجه وتشوقه ولمخاطبته الأطفال والكبار على حد السواء.
خبيرة رياض الأطفال وباحثة في مجال حماية الطفولة، ملوك إبراهيم الحاج حسن، تقول،لا شك في أن للطفل عقلية خاصة تختلف عن عقلية الكبار، فعالمه لا يتصف بالثبات وفكره متمركز حول ذاته، فهو يتصور الحياة في لعبه وأشيائه الخاصة، فخيال الطفل يفوق خيال الكبار. وانطلاقا من هذا المبدأ يعد المسرح من أهم السبل للوصول إلى عقل ووجدان الطفل.
ومن المعروف كما تذكر أن المسرح من أهم الوسائط الفاعلة في بناء شخصية الطفل، وتنمية قدراته العقلية، وإعداده ليكون طاقة خلاّقة منتجة، كما أن له تأثير في الأطفال يفوق وسائل الثقافة الأخرى المقدمة للطفل.
وتشير إلى إن مسرح الطفل في العالم العربي عامة وفي السودان خاصة تسوده الآن الكثير من المفارقات الفنية والتناقضات الفكرية، التي لا تزال تبحث عن خلاص فني، ذلك لأن الطفل في حاجة إلى من يعبر عن أفكاره، ويبني له تكنيك مسرح شامل، يحوي جميع المقومات التي تأخذ الطفل إلى عالم مختلف عما يعيشه، حيث يتعلم مما يراه ويشاهده ويسمعه.
فالخطوة الأولى التي يجب أن نتبناها هي خلق مسرح للطفل يكتسب من خلاله الكثير من المفاهيم العلمية والخلقية والقيم الاجتماعية، ومن ثم نصل إلى مسرح للطفل يشارك فيه الأطفال في وضع رؤية لعرض المقررات الدراسية بأسلوب شيق جميل، يساعده ويساعد أقرانه في الكثير من المعرفة، التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح أو في الفصل، ونضع نصب أعيننا أن نضع منهجا دراسيا لكل مرحلة عمرية، لذلك ينبغي أن ينقسم مسرح الطفل الي قسمين أحدهما ترفيهي والاخر تعليمي.
ولعل الرسالة التي تقدمها المسرحية ومحاولة ترسيخ معرفة الذات والرضا بها وبالجماعة التي ينتمي إليها الفرد، تنجح في حل سؤال الهوية الشائك والذي واجه السودانيين منذ تاسيس دولتهم الحديثة الواحدة. وقد ظهرت عدة مدارس فكرية وثقافية تحاول أن تحدد هوية السودانية وهل هم عرب أم أفارقة أم خليط بين الاثنين . النيلان

إشراقة عباس
الخرطوم 30-7-2015(سونا)
ظل1

ظل3

ظل4