سياسية

الحياة من منظور تاني


(تنبش حي وميت سكاكينك تسنها بالكراهية).. يستخدم شاعر الشعب الراحل محجوب شريف سلاح (الكلمة) ليرد به على رئيس منبر السلام الطيب مصطفى، الرجل المنعوت عند البعض بعراب الانفصال.. الطيب الذي ذبح ثورا أسود في صباح الانفصال يحتفظ له الآخرون بجولات سوداء في رحاب المعارك وفي التوصيف وفي استخدام منهج لغوي خاص به. معارك في معتركات كثيرة خاضها المدير العام للتلفزيون ووزير الاتصالات سابقاً.
الطيب حمل صفة (الرويبضة) لتصبح عندها مرادفاً للأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان ومن قبله (باقان أموم).. يقول البعض إن زفرات الرجل الحرى التي كان يطلقها من صحيفته الانتباهة قادت البلاد بخطى متسارعة للانزلاق في فخ الانفصال. في تلك الفترة برزت الاتهامات ضد الرجل بالعنصرية التي بدأت بالجنوب وتواصلت مع قيادات الحركات المسلحة في دارفور وبالطبع قيادات قطاع الشمال.. لكن الرجل الموصوف بالعنصري ينفي عنه التهمة في سياق حواره لـ(اليوم التالي) الأسبوع الماضي حين يقول: “هي حملة منظمة.. حملة اغتيال الشخصية ضد الرجل الذي يقود الانفصال، بعدين إذا كانت نيفاشا أسست على أسس العنصرية الاستفتاء لمن؟ مش للجنوبيين؟ إذا كانت نيفاشا نفسها صممت على أساس عنصري فالجنوبيين الصوتوا للانفصال هم أنفسهم عنصريين هذا الحديث أصبحت لا أرد عليه.. بعدين عنصري عنصري”..
المنبري الذي يكتب لنفسه وثيقة البراءة من العنصرية هو ذاته القادر على استخدام اللغة العربية في التقليل من شأن الآخرين في كتاباته اليومية، كما أن حدثا آخر ربما زاد من وتيرة اتهام الرجل وهو ما تم نشره من عبارات خادشة في عمود (آخر الليل) لإسحق أحمد فضل الله بأخيرة الانتباهة رغم أن العمود نشر بالتزامن في صحف أخرى لكن مواقف الانتباهة ومنبرها جعلت الأمر وكأنه معلق في رقبة الطيب ومحيط بجلبابه ناصع البياض.
معركة عراب الانفصال مع بني علمان كما يسميهم لم تكن لتتوقف عند محطة حملة السلاح وحدهم وسرعان ما انتاشت سهام هجومه (الشيوعيين) ووصفهم بأنهم (ناس ساي) وهو وصف يلتقي وأوصاف أخرى يأتي على رأسها (التكفير) المرتبط على الدوام ببعض الإسلاميين عندما يتعلق الأمر بمعركتهم ضد العلمانيين.. ورغما عن اعلان الرجل مفارقته صف المؤتمر الوطني الحاكم باسم الشريعة الإسلامية والمتحالف مع الحركة الإسلامية السودانية لكنه ظل محتفظاً بأدبياته القديمة في مواجهة أعداء الفكرة الواحدة والمشروع العابر للحدود.. لكن رشاش كلمات الطيب لم ينج منه حتى حلفاء الأمس.
كلمات الطيب قد تبدو أقل حدة من الكلمات التي أطلقها رفاق الفكرة القدامى ممن تمسكوا بالسلطة في المؤتمر الوطني فلا يزال أرشيف صحيفة الشرق الأوسط يحتفظ بتسجيل القيادي بالمؤتمر الوطني والمتقلب في الوزارات مصطفى عثمان إسماعيل والذي وصف فيه الشعب السوداني بـ(الشحادين) وهو توصيف يقرأ في سياق آخر أو ما يمكن تسميته بحالة المن الإنقاذي على الشعب السوداني، فنائب رئيس الجمهورية السابق الحاج آدم يوسف قال إن السودانيين قبل الإنقاذ كانوا يمتلكون فقط (قميصين)..
هذا النوع من تصريحات السياسيين وتجاوزاتهم ينظر إليها المتابعون للمشهد العام على أنها تأتي في إطار حالة التراجع العام المتكاملة مع ازدياد حدة الخلاف وعدم الثقة بين النخبة والشعب الذي لم يجد فعلا على أرض الواقع، وهو في ذات الوقت لم يجد القول الطيب منهم..
يرى فريق آخر أن حالة الطيب مصطفى لا يمكن فصلها عن الحالة السياسية العامة في البلاد.. حالة وصلت لحد مطالبة برلمانية بأن لا يتم دفن المعارضين في الأراضي السودانية دفعاً لفاتورة مواقفهم السياسية، وهو ما يجعل من المواجهات الاتحادية تحت لواء داعش أمرا يبدو أقل حدة في وقت تظل فيه المطالبة بوجود (داعشي) مخلص من هذه الحالة هي أكثر المطالب موضوعية وأقربها لفتح المنابر للبناء وليس للتقليل من الشأن الحزبي أو الجهوي وحتى الشخصي.

اليوم التالي