احلام مستغانمي

أرتدي الكسل عبــاءة صيفيّة (2)


“إنّ الأفكار العظيمة تأتينا ونحنُ نمشي “، يقول نيتشه، لكنّها تأتينا أيضاً ونحن نتأمّل الأشياء الصغيرة. ففي الأشياء الصغيرة، أو تلك التي نمرّ بمحاذاتها من دون انتباه، يوجد مكمن الحياة.
في هنيهة سهونا عنها، ينكشف لنا سرّها، الذي يجيب بانكشافه على أسئلتنا الوجوديَة الأكبر.
لذا، حسب قول أحد الحكماء «لا يكفي عمر واحد لتأمّل شجرة».
ربما كان الكاتب الأمريكي هنــــري ميلـــر، أحد الكتّاب الأوائــل، الذين أخــذوا الكســل مأخذه الإبداعي. فقد جعل من الحياة سياحة مفتوحة على ضجر الجسد، الذي لا تأشيرة لدخول حميميته عــدا الكتابة. لكن فيليب بولان، الذي افتقر إلى ما اشتهر به ميلــر من اشتعال دائم للشهوات، لم يوفّق في استثمار كسله، قال مُباهياً بكسل يشي بالفشل «إنّي أحبّ السأم، يوماً بعد يوم، أُسبوعاً بعد أسبوع، شهراً بعد شهر، لا شيء أطيب عندي من الرتابة الْـمُملّة». وهو أغبــى تصريح أدبي قرأته أثناء بحثي عن آراء تدعــم نزعتي للاحتفاء بحالــة الكســل، التي يلجأ إليها المبدعون، تأهبـاً للكتابة، بذعــرٍ يُوحــي بهربهــم من أمر، يسعون إليه في الواقع !
«الرغبة في ألاّ تقوم بشيء، هو الدليل القاطع على الموهبة الأدبية» يجزم مورياك أحد سادة الأدب الفرنسي .
إنّني كسلى هذه الأيــام، مُتقلّبة المزاج، كامرأة حبــلى، أرتدي اللاّمبالاة قندورة فضفاضة ، ففي قندورة قسنطينية للبيت كتبت في فرنسا على مدى أربع سنوات ” ذاكرة الجسد ” ، و ما زلت أجلس ساعات، أتأمَّــل العشب الذي ينبت على شقوق ذاكرة الغيــاب. آخذ حمام شمس بكسل كاذب، أدّعي حبّ البحر و المباهج الصيفيّة، وأحلم في سرّي بذلك النصَ المشتهى.
الحقيقة ، أنني في الصيف أعقد قراني على الحبر.. وأترك البحر لمن لا مراكب ورقية له ، ولم يختبر متعة التجذيف كتابة حتى ضفاف المستحيل !
( من مقالاتي القديمة )


تعليق واحد

  1. هذه الصحفية تنشر مقالات جيدة ومفيده خاصه للمغتربين امثالى .