مزمل ابو القاسم

عضة حكومية


* اختلف علماء الاتصال في تعريف الخبر الصحافي، بدءاً بأنه يمثل كل ما يشكل خروجاً عن المألوف، (فعندما يعض الكلب رجلاً فذلك ليس خبراً، وعندما يعض رجلُ كلباً فذلك هو الخبر)!
* صحيح أن تعريفات الخبر تنوَّعت بعد ذلك وتعدَّدت وتطورت لتغطي المستجدات الكبيرة التي طرأت على العمل الصحافي في زمن ثورة المعلوماتية.
* لكن الثابت أن تعريف (العضَّة) بقي ثابتاً، يُدرَّس لكل طلاب الإعلام في شتى بقاع العالم، وصولاً إلى تعريف جوزيف بوليتزر، الذي يشير إلى أن أهم شروط الخبر الصحافي تنحصر في (الجِدَّة والتميز والإثارة والتفرد والطرافة)، وتعريف الدكتور خليل صابات، بأن الخبر يجب أن يحوي شيئاً خارجاً عن المألوف، ليؤثر في الناس، ويتميز (بالفائدة والأهمية والجِدَّة والصدق).
* تلك التعريفات الأكاديمية للخبر الصحافي انطبقت تماماً على ما ذكره سعادة الفريق أول بكري حسن صالح، النائب الأول لرئيس الجمهورية في مؤتمره الصحافي الأخير، عندما تحدث عن المبررات التي دفعت الحكومة إلى تطبيق نظام التحصيل الإلكتروني، باعتباره مانعاً (للعضة)، وكابحاً للتجنيب.
* حديث النائب الأول أتى مثيراً ومباشراً وخارجاً عن المألوف، كما أنه لم يخل من الطرافة، واتصل بما يهم الناس، وذلك يفسر سبب احتفاء الصحافة به، وإبرازها إياه (بالمينشيت العريض).
* العضة المذكورة تبدو أسوأ من (عضة الكلب) المشار إليها في تعريف الخبر الصحافي، لأن من يقومون بدور العض هنا ينتمون إلى الحكومة، ويستغلون سلطتهم لممارسة كبيرة التجنيب وأكل أموال الناس بالباطل.
* مؤخراً تدخلت الحكومة لتمنع بعض منسوبي (الحكومة) من مواصلة (عض) مواطنيها بالجبايات العشوائية، وتكرار (العضة) بإنفاق تلك الرسوم غير الشرعية بلا رقيب ولا حسيب.
* وكما ذكر زميلي وصديقي جمال علي حسن فإن اهتمام الحكومة بمنع (العضة) من دون العناية بمحاسبة (العضاضين) وإقصائهم من مواقعهم لن يجدي فتيلاً، لأن هؤلاء لن يكفوا عن البحث عن أساليب جديدة، وطرق بديلة، وألاعيب مبتكرة، تمكنهم من إيجاد مصادر جديدة (للعض)!
* لا فائدة ترجى من محاربة التجنيب وترك المجنبين في مواقعهم، لأن فطام هؤلاء من داء (العض) لن يكون ميسوراً، حتى ولو عولجوا بمصل (السعر)، طالما أن السلطة تتساهل معهم، وتتركهم في مواقعهم، وتتغاضى عن محاسبتهم على خرقهم الفادح لقوانين الخدمة المدنية، وتجاوزهم الفاضح للضوابط التي تضعها وزارة المالية الاتحادية لتحكم بها كيفية فرض الرسوم الحكومية على المواطنين.
* مطلوب من السلطة أن تجتهد في كشف (العضاضين)، وفضحهم ومحاسبتهم وإبعادهم عن مناصبهم، كي يصبحوا عبرةً لكل من تسول له نفسه (عض) أموال الناس بالباطل.