سياسية

البشير يسعد “101” أسرة مصرية بعفو رئاسي والسيسي يرد التحية بمثلها.. الوشائج تنتصر


أصدر الرئيس البشير مساء أمس الأول (الأربعاء) عفوا رئاسيا عن الصيادين المصريين البالغ عددهم 101 صياد، وذلك بعد مرور 4 أشهر تم احتجازهم خلالها ببورسودان لعبورهم المياه الإقليمية السودانية دون تصريح، وترد مصر التحية بمثلها وبعد أقل من ساعتين يصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عفوا مماثلا عن المعدنين السودانيين المحتجزين بمصر لتنقيبهم عن الذهب داخل أراضيها والبالغ عددهم 44 معدنا، ليقدم الزعيمان هدية لشعبيهما على هامش الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة.

بداية القصة
بدأت القصة بجلسات لمحاكمة الصيادين المصريين في بورتسودان وأصدرت المحكمة حكما ببراءتهم، وبينما يتوجه الصيادون في اليوم التالي إلى مصر، استأنفت السلطات السودانية على الحكم وتم احتجازهم مرة أخرى، في سابقة بدت غريبة، لسرعة الاستئناف وفتح أبواب المحكمة في يوم جمعة (عطلة رسمية) لإعادة المحاكمة، وهنا جرت اتصالات مكثفة بين الجانبين المصري والسوداني كانت طي الكتمان وهذا سر نجاحها في النهاية، فقد طلب الجانب السوداني من الجانب المصري الإفراج عن المعدنين السودانيين بعدما أظهرت الخرطوم حسن النية بإطلاق سراح الصيادين المصريين، ووقف السفير السوداني في القاهرة عبد الحليم عبد المحمود نافيا تهمة التجسس عن هؤلاء المصريين، بعد أن قام البعض بالترويج لذلك، وتم تأجيل القضية مرتين، ويبدو أنه كان هناك تخطيط لشيء أقوى يعكس مدى تطور العلاقة بين البلدين ومدى الإرادة السياسية بين القيادتين، والتعامل بندية في سابقة لم تكن متاحة من قبل.

تفسير سلبي
ورغما عن هذا التناغم والتنسيق بين القيادة في البلدين إلا أن كثيرين في البلدين كانوا يفسرون ما حدث بالسلب، في مصر كانت الأسئلة حيرى: لماذا يحتجز السودان الصيادين بعد الإفراج عنهم؟، وفي المقابل كان الاستنكار السوداني لماذا نعفو عن مصريين ومصر لا تعفو عن سودانيين؟، والأعجب أنه عندما بدأ الجانب السوداني بعفو الرئيس البشير عن الصيادين احتج البعض على القرار: لماذا نعفو أولا؟!، ولماذا لم تعف مصر قبلنا؟ والإجابة ببساطة تتلخص في أن قضية الصيادين المصريين كانت مثارة أمام المحكمة السودانية، وكان لابد من قرار فيها، وقد تم بكرم بالغ من الرئيس البشير، ليقابله السيسي بكرم مقابل لتكسب العلاقات المصرية السودانية رجلين بحجم البشير والسيسي، وحتى لو كانت هذه القرارات لمغازلة كل رئيس لمواطنيه وشعبه فهذه ميزة كبيرة وليست عيبا طالما أن ذلك أتى في صالح تقدم وتطور العلاقة بين الشعبين العظيمين.

مصر تشكر
من جانبه قال المتحدث باسم الخارجية المصرية بدر عبد العاطي إن القرار السوداني جاء تتويجا للاتصالات المكثفة، التي قامت بها وزارة الخارجية المصرية والسفارة المصرية في الخرطوم وأجهزة الدولة المعنية مع المسؤولين بالحكومة السودانية على مدار الأسابيع الماضية، ونقل عبد العاطي تهنئة سامح شكري وزير الخارجية المصري، إلى أهالي الصيادين والشعب المصري بأكمله بهذه المناسبة السعيدة، مُشيرًا إلى اكتمال فرحة مصر بعودة أبنائها لتزامنها مع احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة، كما نقل شكري تقدير حكومة مصر لحكومة جمهورية السودان والرئيس عمر البشير، وأضاف عبد العاطي بأنه تم على الفور تنفيذ قرار الإفراج عن الصيادين واستضافتهم فى إحدى الاستراحات التابعة للحكومة السودانية بحضور طاقم القنصلية العامة المصرية فى بورتسودان، حتى تم نقلهم إلى القاهرة.
القرار السوداني يحبط المحاولات
ونقلت وسائل الإعلام المصرية عن مصدر دبلوماسي مصري قوله إن القرار السوداني يؤكد أن العلاقات بين مصر والسودان تتسم في مرحلتها الحالية بالإيجابية، خاصة في أعقاب الزيارات المتبادلة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وعمر البشير، لافتا إلى أن هناك ترقبا لتحديد موعد اللجنة المشتركة بين القاهرة والخرطوم على مستوى الزعماء، ولا توجد نية لتأزيم العلاقات قبلها. وأشار المصدر إلى أنه من المتوقع عقد اللجنة المشتركة خلال بداية سبتمبر المقبل، مرجحا أن يكون هذا سببًا لسرعة إنهاء أزمة الصيادين المصريين خاصة في ظل وجود بعض الأطراف، التي كانت بدأت تصدر من قضية الاحتجاز أزمة بين البلدين، إلا أن القرار السوداني أحبط أي محاولات لتأزيم العلاقات، كما نقل الإعلام المصري أن السودان خالف توقعات المراقبين بانفجار أزمة بين البلدين على خلفية رفض السلطات السودانية الإفراج عن الصيادين، وأصدر الرئيس عمر البشير، قرارًا بالإفراج عنهم قبيل وصوله للقاهرة للمشاركة في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة. واستمرارا للأجواء الإيجابية أعقب القرار السودانى قرار مصري من السيسي بالعفو عن 44 محتجزا سودانيا بمصر، وتم نقلهم للسودان عبر الطائرة الخاصة، التي غادرت لإعادة الصيادين المصريين.

فرحة الأهالي
في الوقت نفسه سادت حالة من الفرح بين أسر 101 صياد بمدينة المطرية بمحافظة الدقهلية المصرية بعد عفو الرئيس البشير عنهم، وأعربت أسر الصيادين عن سعادتها بعدما سمعت نبأ الإفراج عن ذويهم وأقاربهم وأزواجهم المحتجزين منذ قرابة 4 أشهر في السودان.

نقلة نوعية وهدية
من جهته أكد عبد المحمود عبد الحليم السفير السوداني بالقاهرة أن هذا الإفراج المتبادل يأتي كأخبار سارة لشعب وادي النيل، وأنه يشكل بالفعل نقلة نوعية وكبيرة في مستوى وطرق وكيفيات معالجه مصالح البلدين والشعبين. وقال عبد المحمود لـ (اليوم التالي) إن هذا يدلل كما ظللنا نؤكد دائما أن السودان ومصر شعب واحد في بلدين، وأضاف عبد المحمود والذي تابع الأزمة منذ بداياتها وتعامل معها بمهنية الدبلوماسي الخبير أنه مثلما مثل إفراج وعفو الرئيس البشير هدية فخيمة لمصر وهي تحتفل بإنجاز قناة السويس الجديدة، فإن عفو وإفراج الرئيس السيسي عن المعدنين السودانيين يأتي أيضا كهديه رائعة لشعب السودان وأسر المعدنين، وخير ترحيب بالرئيس البشير وهو يزور مصر، وتابع: الدرس الكبير لهذه التجربة هو قدرة البلدين على تحويل التحديات إلى فرص للمزيد من تعميق الوشائج، لافتا إلى أنها تذكرة للبلدين والحكومتين بضرورة تعزيز مصالح الشعب في السودان ومصر وتسهيل تواصلهما الأزلي والإكمال دون إبطاء لمشروع الحريات الأربع، وقال: نحيي كل من اتصلنا به في الفترة السابقة بشأن المعدنين، ونحيي بصفة خاصة الوزير سامح شكري والسفير الناطق الرسمي بدر عبد العاطي ونهنئ كل من اتصل بنا بشأن الصيادين والتحية والتهنئة للسودان ومصر ولقيادة البلدين.

صفحة جديدة
ويأتي هذا التطور الكبير في العلاقة بين مصر والسودان ليعبر عن صفحة جديدة عنوانها الأبرز هو (الندية) وتفاهم الرئيسين للتحديات التي تواجه الشعبين الشقيقين بتنسيق عال، وبرجال يديرون الملف بوعي عال وخبرة كبيرة بحساسية هذه العلاقة، ومثل قرار البشير فرحة عارمة في قلوب 101 أسرة مصرية كانت قد يئست من الإفراج عن ذويها، ويرد السيسي التحية بمثلها لأسر المعدنين في يوم تعيش فيه مصر لحظة تاريخية باحتفالها بقناتها الجديدة، وأبدع الرئيس البشير بذكاء في ادخار هذه الهدية للمصريين لمثل هذا اليوم، وهي أغلى وأقيم من أي مليارات قد تأتي إلى مصر في هذا التوقيت، وفي هذا المشهد السعيد لا يمكن إغفال دور سفير بحجم عبد المحمود عبد الحليم والذي بذل الكثير والكثير من خلال متابعتنا له لنصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من العلاقات، وحرص عبد المحمود دائما على ألا يظهر هذه الأزمة وكأنها ابتزاز وضغط سوداني على مصر لتفعل المثل، وكان يتعامل بخبرة عالية بأن العلاقات أكبر من ذلك وأن السودان قدم حسن النية، وكان يعرب عن أمله بحنكة دبلوماسي غير مطالب بإطلاق سراح المعدنين، على الرغم من أن البعض كان يرى في ذلك ضعفا، إلا أن التجربة أثبتت أن هذه العلاقات تحتاج لدبلوماسية مختلفة حتى تعبر بسلام، فالشكر موصول للجميع في السودان ومصر وكل من كان خلف أسوار هذا القرار العظيم، شكرا للبشير من كل مصري على هذه الهدية، وشكرا للسيسي على سرعة ردها ولا عزاء لمخربي العلاقات والذين يصطادون في الماء العكر كلما رأوا صفو هذا التواصل. وكان لنا في (اليوم التالي) المتابعة الدقيقة لهذه الأزمة حتى وصلت نهايتها بسلام، كما كان لنا السبق في خبر العفو الرئاسي المتبادل قبل يومين من إصداره، وضربنا في هذا الاتجاه لحرص الصحيفة على علاقات مصرية سودانية سليمة ومتطورة.

صحيفة اليوم التالي