جعفر عباس

معركة أم الكلاثيم


ارتقى الصحفي السعودي إلى مصاف شارون ونتنياهو والحوثي؛ لأنه تجرأ على ثوابت الأمة العربية وأميز رموزها، حين هرطق وقال: إن قدرات المطربة الراحلة أم كلثوم كمغنية كانت أكثر من متواضعة وإن الإعلام صنع منها أسطورة، بدرجة أنك لو قلت «الست»، فلن تكون تتكلم عن زوجتك، أو ميشيل أوباما، بل يفترض كثيرون أنك تتحدث عن أم كلثوم، وأحسده هذا الزميل على شجاعته، فرغم انهيال اللعنات والشتائم عليه فقد تمسك برأيه في أم كلثوم، بل وأضاف أنها لم ولن تكون في مرتبة فيروز (حمدت الله انه لم يقل شعبولا).
منذ سنوات طوال وأنا لا أجد الشجاعة كي أقول إنني حاولت متابعة غناء أم كلثوم، ولكن أذني رفضت التجاوب معها. يعني غناء أم كلثوم لا يحرك في نفسي شيئاً، ولكن الفرق بيني وبين صاحبنا هذا، هو أنني لم أعدَّ ذلك دليل فقر ملكة أم كلثوم الغنائية، بل دليلاً على أن للناس في ما يعشقون مذاهب، فذوقي الموسيقي ليس فاسداً؛ لأن غناء أم كلثوم لا يستهويني، وكون غنائها لا يستهويني ليس دليلاً على أنها مغنية «أي كلام»، وقد حسم مسألة تفاوت الأذواق، الشاعر بشار بن برد قبل عدة قرون عندما استنكر محبو شعره المشهود له بقوة الديباجة ورصانة اللغة أن يقول:
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت / لها سبع دجاجات وديك حسن الصوت
وهو الكفيف الذي قال أحد أجمل أبيات الشعر: كأن مثار لنقع فوق رؤوسنا وأسيافنا / ليل تهاوى كواكبه. ودافع بشار عن نفسه بكلام معناه أن الأذواق تتفاوت، وأن جارته ربابة لا يمكن أن تستسيغ كلاماً من شاكلة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل…..! ثم أليس بيننا الملايين اليوم الذين لو دعوتهم إلى جلسة استماع لأشرطة فيديو لنوال الزغبي و نجوى كرم أو حتى تلك العراقية التي تتغنى بأنها تريد أن تروح للملا علي لتشكو له من أن خطيبها «شايب.. وأنا بنية»، بعد دفع مائة دولار أو جلسة مجانية من نفس النوع لأشرطة أم كلثوم مع الوعد بسحب على سيارة رولز رويس، لزعموا أن الرولز صناعة تايوان!
ولكن الزميل الصحفي لم يرتكب كبيرة حتى يتعرض للتنكيل الصحفي اليومي وحتى يسأله قارئ: ومن تكون حتى تقول كل ذلك في أم كلثوم؟ وحتى يطالب البعض بإهدار حبر قلمه لعدم إمكان إهدار دمه، ولتدور معركة أم الكلاثيم ويراق فيها الحبر مدراراً! وفي ذات الوقت فإنني أتفهم غضب جماهير أم كلثوم، ولكنني لا أتفهم غضبهم بدرجة المطالبة بفرض عقوبات دولية على الكاتب وتوجيه السباب الشخصي إليه وكأنه المسؤول عن مذابح البلقان وسوريا واليمن ويا أخي في المهن والمحن، لا عليك فقد سبق لأبي الجعافر خلال وجوده في لندن أن قدم له مسؤول في مكان العمل تذكرة مجانية لحضور حفل لمغني الأوبرا بافاروتي، الذي كان شكله يوحي بأنه جزار أفلس؛ لأنه كان يأكل نصف بضاعته بدلاً من أن يبيعها للجمهور، فقلت لصاحبي ذاك: والله لو أتاني بافاروتي هذا في المنام لانتهى بي الأمر إلى مستشفى الأمراض العقلية! فحسب الخواجة أنني أعني أنني سأجن من الفرحة، فقلت له إن صوت أي دلال في أي سوق للحراج أو مزاد في بلد عربي أخف على قلبي من صوت بافاروتي؟ فقال لي ما معناه: من علّم الحمير أكل الزنجبيل؟ يعني أبو الجعافر طلع حمار؛ لأنه لا يهضم صياح بافاروتي. إذن ما فيها شيء أن يصف البعض من لا يحب غناء أم كلثوم بقلة الفهم أو حتى بخيانة الأمة التي تجعل للأدب عميداً وللشعر أميراً وللغناء سفيراً، وفي إجماع نفتقر إليه في مواجهة الكلاب التي تنهش ثيابنا وتكشف عن عوراتنا.

jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد

  1. الكم الهائل من الفنانات الاتى ذكرتهن لا يستهوينى غناءهن ولا غنجهن ولكن ان كنت اكتب ماتعرضت اليهن ولاحتفظت براى فى حلجى .. فاحتفظ برائك فى ام كلثوم وندى القلعة فى حلجك . يابافاروتى زمانك ..