تحقيقات وتقارير

الجنرال “بكري” شخّص الداء ولم يصف الدواء


مُنيت زيارة الوسيط الأفريقي “ثامبو أمبيكي” للخرطوم الأسبوع الماضي بالفشل الذريع، وانتهت عملياً المبادرة التي يقودها إلى طريق مسدود، ولم يتبق أمام الرئيس المتقاعد في كرسي المعاش إلا إقناع مساعديه وسكرتاريته بأن خريف المبادرة قد هبت عليه رياح الشتاء.. وأن عائد السنوات الماضية من الدولارات والأسفار والمؤتمرات وجولات التفاوض ينبغي (ادخاره) لما تبقى من العمر.. حيث بات الوضع في السودان (شائكاً) والمبادرة عاجزة عن حمل الطرفين أو الأطراف المتنازعة حتى على الاتفاق المتنازعة حتى على الاتفاق على جدول الأعمال.. وحينما طرح الرئيس السوداني قبل أكثر من عام مبادرة الحوار الوطني كبديل لتطاول مفاوضات المنطقتين وتعثر انضمام متمردي دارفور لمنبر الدوحة، هرع الوسيط “أمبيكي” وأقبل مسرعاً نحو الوطني وقدم نفسه كوسيط بين الفرقاء السودانيين حتى تمتد ثمرات وخبرات وجوده الحالي، بيد أن الحكومة أوصدت الباب في وجه التدخل الأجنبي في الحوار الوطني وجعلته شأناً داخلياً (بمن حضر)، وبدت غير مكترثة لحضور المعارضة التي ارتبطت بالقوى المسلحة المعروفة بقوى (الإجماع الوطني).
وفشل مبادرة الاتحاد الأفريقي ووصولها نقطة اللا عودة وسد الدروب تمثل في إبلاغ الحكومة السودانية للوسيط “أمبيكي” بشروط مختصرة جداً.. لا تفاوض أو حوار مع أي من القوى التي تحمل السلاح خارج الحدود.. ولا ملتقى تشاوري تمهيدي يعقد خارج البلاد، وأمام القوى التي تحمل السلاح خيار وحيد (الدخول في مفاوضات حول بند وقف إطلاق النار).. وبعد الاتفاق على ذلك يعود حاملو السلاح وفق ضمانات داخلية للانخراط في الحوار الوطني شأنهم في ذلك شأن بقية الأحزاب.
وأغلقت الحكومة بذلك باب الدخول في شراكة سياسية وفترة انتقالية وترتيبات أمنية وعسكرية تلزمها بإدماج قوات الحركة الشعبية أو استيعابها في القوات النظامية.. وبذلك لن تحصل الحركة الشعبية على رغباتها في السلطة مركزياً وولائياً إلا بما يتفق عليه في طاولة الحوار الوطني الذي هو الآخر يعاني من هرولة أحزاب عديدة للنزول من قطاره خوفاً على تبعاته.. وهرولة أحزاب أخرى للمشاركة فيه وانتظار نتائجه.
وغداة مغادرة الوسيط “أمبيكي” للخرطوم، وضعت الحركة الشعبية عدة متاريس من جانبها وهي تعلن رفضها المشاركة في الحوار الوطني إلا بشروط هي.. وجاء في شأن الحور والتفاوض بعد الاجتماع الذي قالت الحركة الشعبية إنها عقدته لتقييم الأوضاع ما يلي: (في اليومين الماضيين حاولت أجهزة أمن المؤتمر الوطني التشويش على موقف الحركة الشعبية المعلن عبر بعض صحافييها بأن الحركة الشعبية ستشارك في لجنة “عبود جابر” و”بشارة أرو” وحددت بعض ممثليها، وعلق بعض الحيارى والمتسكعين منتقدين الحركة، ولأن موقفنا ممهور بدمائنا فمن واقع التقدير والمحبة والتواضع نقول الآتي:
{ الحركة تؤكد الحل الشامل والحوار القومي الدستوري المفضي للتغيير.
{ مواقفنا متطابقة مع مواقف قوى نداء السودان.
{ لا بد من عملية جديدة للحل السلمي قائمة على شمولية الحل ومنع المؤتمر الوطني من شراء الوقت.. وتكون الخطوات التالية:
} وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية بوقف قصف الطيران في المنطقتين ودارفور بالتواصل لوقف العدائيات.
} توفير الحريات كمدخل لأي حوار قومي دستوري.
} إشراف الآلية الرفيعة على الحوار وعقد لقاء تحضيري بمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بمنطوق القرار (456).
} اعتماد شركاء الآلية الرفيعة من دول الـ(إيقاد) بما في ذلك جنوب السودان وتشاد ومصر والجزائر، جنوب أفريقيا، نيجيريا والترويكا الأوروبية ألمانيا وفرنسا كشركاء.
{ إسقاط النظام هو الهدف الرئيسي عبر طريق الانتفاضة ومساندة الكفاح المسلح، ولا يوجد حل شامل إلا عبر المضي في طريق إسقاط النظام الذي لن يقبل بحل شامل إلا إذا تأكد بأن هذا الرفض سيؤدي لإسقاطه.
بهذه النقاط وضعت الحركة الشعبية نهاية حتمية لمبادرة الاتحاد الأفريقي، وكشفت عن أنها لا ترغب في حل يفضي لاتفاق سياسي بينها والمؤتمر الوطني، لكنها تتخذ الحوار والتفاوض وسيلة وآلية لإسقاط النظام وتصفيته. والنظام بدوره لا يقبل أن ينحر عنقه بسكين في قبضته إلا إذا أصيب بالاختلال العقلي وفقد رشده وأسباب فشل المبادرة عديدة منها:
{ ضعف الآلية رفيعة المستوى وعجزها عن الضغط على الطرفين، واتخاذها منهج (الجودية) السودانية ومحاولة استرضاء كل الأطراف على حساب الجدية اللازمة.
{ الآلية الأفريقية رفيعة المستوى لا يؤخذ بما تقوله سواء في الاتحاد الأفريقي أو حتى في مجلس الأمن الدولي الذي يخاطبه “أمبيكي” من وقت لآخر وعينه على تجديد مهمته لإنهاء معاناة السودانيين من الحرب.
{ لا يبدو العالم اليوم (منشغلاً) بما يجري في المنطقتين بعد اندلاع الحرب بين الرفاق في جنوب السودان.. والوضع العالمي، حيث المفاوضات مع إيران حول الملف النووي، والحرب في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وتدخل موسكو في أوكرانيا.
{ أصاب اليأس والإحباط العالم الذي كان يهتم بالسودان ودارفور لخيبة أمله في الحركات المسلحة وهي تقف عاجزة عن حل مشاكلها الداخلية.
{ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما من صنعا سلام (نيفاشا) 2005م، وليس الجنرال الكيني “سمبويا”، ووقفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعيداً عن المفاوضات، ولم تبد الولايات المتحدة الأمريكية حماساً لإيقاف الحرب أو الضغط على الطرفين للمضي نحو السلام، لذلك بدت الحركة الشعبية (متعنتة) وعينها على السلطة في الخرطوم وليس كادوقلي والدمازين، وتلك هي القضية، وتعدّ الحكومة الحديث عن السلطة من الممنوعات.
} الواقع على الأرض
تلك هي مواقف الطرفين المتنازعين، وقد فشلت مبادرة الاتحاد الأولى وانتهت مهلة الوسيط الأفريقي إلى بلوغ الجدار المسدود والطرق المغلقة، لكن على الأرض تتمدد مأساة الحرب ويدفع المواطنون الأبرياء ثمن تلك المواقف الرافضة لتقديم أي تنازلات من شانها تخفيف واقع المأساة التي تعيشها مناطق الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وقد انتهت الحرب في دارفور إلى فوضى واختلال كبير وحالة سيولة يصعب السيطرة عليها.. تلاشت الحركات المسلحة من الأرض.. وتعرضت حركة العدل والمساواة وهي أكبر الحركات الدارفورية وأكثرها شراسة في القتال ورغبة في دخول العاصمة الخرطوم والسيطرة على الحكم، تعرضت لهزيمة بشعة قضت عليها وعلى قوتها على الأرض، وتبع تلك الهزيمة انشقاق عصف بوحدة الحركة.. واختار بعض قادتها اللجوء لأوروبا بحثاً عن خلاص ذاتي بعد تعثر الخلاص الجمعي كما يعتقدون.. لكن في جبال النوبة الأوضاع بالغة السوء، الموت يطحن الناس، والمدارس تغلق، والرعاة محرمون من المراعي الطبيعية الفتية، والمزارعون مهددون، وحرب العصابات في جبال النوبة لا منتصر فيها!! وبعد فشل مبادرة “أمبيكي” فإن خيار استمرار الحرب في تلك المنطقة هو الذي أمام المواطنين.. فهل تداعيات وآثار الحرب من نزوح ومعاناة وتحطم المجتمع توقظ ضمير الطرفين ويشعران بآهات الأهالي وجوعهم وفقرهم، خاصة الأخوة في الحركة الشعبية الذين قطاع عريض منهم يتوق إلى السلام ويرفض الحرب ويشعر بوخز الضمير إزاء ما يحدث لأهله من قتل وتشريد وضياع وتفكك أسري بسبب الحرب وهتك أعراض.
إن الحرب التي تدور في جبال النوبة لا يشعر بها بقية السودان، ولا تؤدي لإسقاط النظام في الخرطوم، وكل الولايات اليوم تنمو وتزدهر، حتى دارفور تفتح فيها المدارس، وهنا تغلق المدارس في الوسط والشمال، وحتى كردفان الشمالية الأبيض وكردفان الغربية الفولة تنهض فيها المشروعات التنموية الكبيرة.. وفي كادوقلي تتخذ الهوام والماعز والحمير من مستشفى كادوقلي الذي كان يفترض أن ينهض، تتخذه الحيوانات مأوى لها اتقاء الحر والبرد والمطر.. الناس يضحكون ويفرحون ويتزوجون، وأهلكم في حزن وكدر وضيم وفقر.. لا يزورهم رئيس ولا مسؤول، ومحرومون حتى من العون الدولي ومن الصحة والرعاية الأولية.. أية سلطة تلك التي تبحثون عنها؟ وما قيمة السلطة التي تسعون إليها إذا كان المجتمع محطماً والناس في همّ وغمّ؟؟
الحركة الشعبية لا تستطيع إسقاط النظام في الخرطوم ولن تضعفه مطلقاً، بل تطيل مدة بقائه في السلطة وتمده بالسند الشعبي، وقادة الحركة يخطئون في قراءة المشهد السياسي ويتكئون على سند أحزاب انتهازية تتخذهم مطية لتحقيق أهدافها.. ولكن استمرار الحرب يضعف ولاء الناس في تلك المنطقة للمركز، وهو ولاء ضعيف أصلاً، ويصيبهم الإحساس بالضياع والفشل، وفي ذات الوقت ينبغي أن يستيقظ الضمير الإنساني ويشعر قادة الدولة بأنهم أخلاقياً وإنسانياً مطالبون بالعدل بين الرعية، وأول شروط العدل أن ترفع المعاناة عن الضعفاء والمساكين بوقف الحرب بالتفاوض، وإن تعثر كما هو الحال الآن، فعلى الدولة أن تحارب بجدية وتحشد قدراتها للقضاء على التمرد في غضون شهور معدودة.. حرب خاطفة يشارك فيها كل أهل السودان للقضاء على التمرد وبسط سلطان الدولة، وإن كان ذلك متعثراً، فالتنازلات ضرورية لإيقاف الحرب.
{ الجنرال “بكري” وتشخيص الداء
فوجئ الكثيرون بالصراحة التي تحدث بها الفريق أول “بكري حسن صالح” النائب الأول لرئيس الجمهورية في المؤتمر الصحافي الذي خصصه للحديث عن الإصلاح في الدولة الأسبوع الماضي. ومصدر الدهشة والمفاجأة أن الرئيس “البشير” تنازل للفريق “بكري حسن صالح” عن نصف صلاحياته في إدارة الحكم وكل صلاحياته في إدارة الجهاز التنفيذي، وبات الرئيس مشغولاً فقط بالشأن السيادي والأمني والدفاعي.. ويعدّ الجنرال “بكري حسن صالح” اليوم هو ماكينة الحكومة وقلبها النابض.. وهو سياسي واقعي جداً.. تسنده خبرة عملية تمتد لربع قرن من الزمان جعلته ملماً بتفاصيل ما يجري في قطاعات الحكومة، ويعلم ما يحدث فيها، وأين الخلل وكيفية معالجته.. والفريق “بكري حسن صالح” حينما أخذ يرد على أسئلة الصحافيين لم يغضب أو يثور أو يقتل بعض الأسئلة بالهروب السهل بالتجاهل والنسيان.. كان حريصاً على الرد على أي سؤال مهما كان (محرجاً)، وذكاء الجنرال الصامت وعلاقته بالناس جعلته يتعرف على كل الوسط الصحافي الصغير قبل الكبير، والمعارض والذي يقف في المنطقة الوسطى و(الموالي) بالفكرة والموالي بالمصلحة والموالي بالحق.. يعرفهم “بكري حسن صالح” ويداعب البعض دون ابتذال.. وحينما اكتشف الصحافيون أن محدثهم، وهو الرجل الثاني في الدولة، صريح جداً وانتقد بعض أوجه القصور في الدولة بحدة واعترف بفشل بعض السياسيات، ولم يداهن أو يمارس (الفهلوة) والإنكار غير الموضوعي، أخذوا يراقبون فقط ماذا يقول الرجل الذي اعترف بأن الإصلاح ليس شأناً خاصاً بالسياسة وتغيير الوجوه وتبادل الحكم، لكنه عملية صعبة وشاقة وعسيرة، وقال إن التغيير في نظام التحصيل من الأورنيك الورقي الشهير بأورنيك (15) إلى الأورنيك الإلكتروني الجديد هو جزء من عملية الإصلاح في الدولة، وإن مقاومتها من بعض الجهات الداخلية هي مقاومة طبيعية.. ووضع النائب الأول موظفي الدولة من الفاسدين في العراء بإدانتهم إدانة صريحة، وكشف ألاعيبهم وطريقة احتيالهم وغشهم.. لقد وضع الجنرال “بكري” إصبعه على الداء، وتبقى صرف الدواء المُر لمواجهة اللا مسؤولية في أجهزة الدولة.. لكن الإصلاح دروبه عسيرة وخطاه تسير ببطؤ شديد.
وقد كاد وزير المالية “بدر الدين محمود” أن يذرف الدموع ومشروعه الإصلاحي يواجه بحرب (داعش) الخدمة المدنية، و(الدواعش) داخل الدولة وفي أجهزتها هم طبقة من المستفيدين من الحكم، طبقة جاءت باسم التمكين والمولاة، واختارت أن تفسد الخدمة المدنية بادعاء أنها حامية النظام وجنوده ساعة الحارة.. لكن ما هؤلاء المفسدون إلا حماة مصالحهم الخاصة.. والذين يقبعون اليوم في حراسات أقسام الشرطة والنيابات في قضية الأقطان وقضايا الثراء الحرام ووزارة العمل، ما هم بشيوعيين ولا بعثيين ولا ينتمون إلى الحركة الشعبية.. هؤلاء يهتفون (هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه)، لكنهم يخونون الأمانة ويستبيحون المال العام كأنه مزرعة خاصة بهم.
حدثني الأستاذ “خليل عبد الله” والي غرب دارفور وهو من القيادات النظيفة وأينما ذهب خاض معركته الأولى مع الفاسدين، قال “خليل” في حديث ليس للنشر، ولكن المصلحة العامة تقتضي هنا أن نكشف عنه الغطاء، إن أجنبياً ومعه مقاول سوداني يعملان في مشروعات الولاية طلبا موعداً للتهنئة بتولي المنصب، و”خليل عبد الله” من المسؤولين الذين يشرعون أبواب مكاتبهم للناس.. وبعد التحية والحديث عن دور الشركة في التنمية وتشييد الطرق قدما هدية عبارة عن صندوق تم لفه بورق مصقول!! ظن الوالي وبعض الظن (غفلة) أن الهدية عبارة عن شعار الشركة أو شيء من هذا القبيل، لكن مدير مكتبه اكتشف أنها مبالغ مالية (ضخمة) عبارة عن رشوة، فاستدعى “خليل عبد الله” الأجنبي والسوداني وهدد الأول بالطرد إن فعل ذلك مع أي موظف في ولاية غرب دارفور، وأحال السوداني للتحقيق وأعاد إليهما أموالهما.. ذلك هو مثال القيادات التي ينبغي أن تقود الولايات.. وفي ولاية غرب كردفان أوقف الوالي أكثر من مائتي مشروع تم توزيعها في عهد الحكومة السابقة للمحاسيب وأصدقاء السلطة والمقربين منها.. وقد أهدرت أموال البترول في غرب كردفان في الاستقطاب السياسي والولاء للولاة.. وحتى رجالات الإدارة الأهلية أصبحوا مقاولين تم منحهم عطاءات تشييد المدارس والمستوصفات دون وجه حق.. وهناك أشقاء (احتكرت) لهم المنشآت بمبالغ خرافية فامتطوا الفارهات وأقاموا في العمارات السوامق.. فكيف يبلغ الإصلاح الفولة والجنينة إذا كان الإصلاح يجد مقاومة حتى من داخل وزارة المالية بالقرب من شارع النيل؟؟
إصلاح الأوضاع يقتضي أيضاً احترام المواطنين، ولو شاهد النائب الأول لرئيس الجمهورية كيف تعرض الطلاب الصغار من طالبي استخراج الشهادة السودانية للضرب بالعصي والسياط لذرف الدمع مثلما ذرف الدمع الكاتب الكبير “فيكتور هيجو” عندما كان يشاهد الناس في شارع الشانزلزيه في باريس يهرعون في الصباح الباكر من أجل لقمة العيش وكيف يتساقط العرق من جبين الفلاحين حول نهر الراين.. ليكتب صاحب كتاب (البؤساء) بنبض الشارع وكدح الإنسان.. مثل “فيكتور هيجو” لو زار السودان وشاهد كيف تنتهك حقوق النساء البائسات من قبل عمال المحليات، وكيف تصادر أمتعتهن ويحشرن في (الدفارات) لمات حسرة وألماً على ذلك الواقع البائس.. ولو شاهد الفريق “بكري” في الساعات الأولى من الصباح النساء يكابدن في السوق الشعبي أم درمان وفي موقف الشهداء والميناء البري ولفة الكلاكلة من أجل صنع الزلابية وقهوة وشاي الصباح لمنع (الباشبزق) من مطاردة هؤلاء ومنحهن رواتب شهرية لقضاء احتياجاتهن.
إن الإصلاح مسألة صعبة في دولة وصفها وزير المالية بـ(العميقة) في الفساد.. طبعاً ليست عميقة في صلابتها ولا الإرث والتقاليد والقانون الراسخ، لكنها عميقة في جعل الموظف الصغير جداً يشيد عمارة في كافوري واللاماب ويحتفل معه حتى الوزراء (بنجاعته) في أكل أموال الناس بالباطل.. إذا نظرت لملاك العمارات الشاهقة في أحياء الخرطوم المترفة فإن سكانها وملاكها ليسوا الباحثين في الجامعات ولا الأطباء ولا أساتذة الثانويات.. هم موظفون في حكومة السودان، بعضهم لم يمض على تعيينه ثلاث سنوات، لكنه يمتلك العمارات والسيارات والفلل.. والشقق بالقاهرة وماليزيا وتركيا.. والإصلاح إذا لم يغش هؤلاء يصبح جعجعة بلا طحين.

المجهر السياسي