أبشر الماحي الصائم

وسطية البشير


رأيت أن أرسل نسخة قبل النشر من مقالي ليوم الأمس إلى الدكتور عصام البشير، رجل الوسطية الأشهر، رئيس مجمع الفقه الإسلامي، ذلك بما يشبه طلب المباركة والإجازة لكون المقال يتحدث عن تعقيدات الجماعات التفجيرية، بحيث أسندت ظهر مقالي على العملية الانتحارية المروعة الأخيرة التي حدثت في جنوب المملكة العربية السعودية، والتي راح ضحيتها خمسة عشر مصليا بريئا ﻻ ذنب لهم سوى أنهم لبوا نداء (حيا على الصلاة حيا على الفلاح و.. و..).
* تزامن توقيت الرسالة مع قرب موعد صلاة الجمعة، بحيث أخبرني دكتور عصام بأن خطبته التي ينوي الخروج إليها بمسجد النور بالخرطوم، تتناول ذات الموضوع، حرمة المساجد، مما دفعني إلى مشاهدة الخطبة على شاشة النيل الأزرق كاملة. وبالمناسبة، هنالك عدد من الإخوان، منهم صديقنا الأستاذ محمد طاهر عجول، درجوا على متابعة خطبة معالي الدكتور عصام التي تبدأ عند الواحدة ظهرا، وذلك قبل أن يلحقوا بخطب مساجدهم وسط الأحياء التي في الغالب تبدأ بعد ذلك التوقيت ..
* وﻻ يحدثك مثل خبير، فقد استنكر دكتور البشير، نيابة عن مجمع الفقة وهيئة العلماء والحكومة والدولة والشعب السوداني، عمليات تفجير مساجد الشيعة والسنة على السواء، على النحو الذي حدث في الكويت والمملكة العربية السعودية مؤخرا، وما يحدث من قبل وبعد في دول الشام وكل مكان، على أن ما يقوم به بادئ الرأي ممن ﻻ يحسنون فهم النصوص، ﻻ يمت إلى الإسلام بصلة، فبفضل صنيعهم هذا يجعلون الأسواق والأماكن الأخرى أكثر أمناً من بيوت الله التي هي أحق بالأمن والطمأنينة، فكيف تطلب الشهادة في عمليات قتل المصلين القانتين الذين يقفون بين يدي الله سبحانه وتعالى!! على أن الذبن يقولون بأن تنظيم الدولة مخترق أن يدركوا – على الأقل – أن عمليات تفجير المساجد جزء أصيل من عقيدته وأجندته، بدليل أنهم عقب كل تفجير يسارعون في الخروج إلى الإعلام ليعلنوا مسؤوليتهم عن هذه الأعمال التي تؤدي إلى سفك الدماء، ولم نسمع ولو مرة واحدة أن التنظيم تبرأ من عملية تفجير مسجد في أي زمان ومكان !!
* غير أن الأدب الذي خرجت لترسيخه اليوم هو، نحن أمة بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى المدرسة الوسطية، التي تعمل مطمئنة بين (سندان التفريط ومطرقة الإفراط)، تفريط الشيعة وإفراط التكفيريين التفجيريين، مع العمل على نزع فتيل الفتنة الطائفية التي تكاد تعصف بأمن المنطقة برمتها، فلم تكن الدول العشرية بحاجة إلى صناعة هذا التحالف، لوﻻ أن جماعة مذهبية صغيرة تحركت من صعدة باتجاه العاصمة صنعاء، وتحت جنح المؤامرة طفقت المدن تتساقط أمامها كأوراق الخريف واحدة تلو الأخرى، فلو كف الشيعة المتمددون في المنطقة عن هذا المنطق لعاد عصر التعايش بين المذاهب إلى سابق عهده و.. و..
* غير أن بيت القصيد يكمن في خارطة الطريق التي طرحها رجل الوسطية الدكتور عصام أحمد البشير من على منبر مسجد النور، خطة الخروج من نفق التطرف المظلم، والتي ترتكز محاورها وتتوزع مسؤولياتها بين مؤسسة الأسرة ومؤسسات التعليم ومؤسسات الدولة والمجتمع.. وليس هذا كل ما هناك.