عبد الجليل سليمان

حرسي وخالد موسى والمخابرات


أتابع باهتمام بالغ ما يكتبه السفير خالد موسى عن فرضية (نهاية الإسلام السياسي) على صفحة بلا قيود بيومية السوداني، وفي ذلك خصص زاويته الموسومة بـ (شيء من الفكر وقليل من السياسة) ليوم أمس لعنوان مثير (عندما يتحول الإصلاح الديني إلى عمل مخابراتي قذر)، ثم أدرج تحته مقالاً أكثر إثارة خصصه للتداول حول حوار الإصلاح الديني في الإسلام لمحاربة التطرف السلفي والجهادي، قال إن دورية (فورن أفيرز) – أي الشؤون الخارجية – فتحت صفحاتها له، عبر مناظرة أجرتها بين الناشطة الهولندية من جذر صومالي (أيان حرسي)، و(وليم ماكيت) مستشار وزير الخارجية الأميركي الأسبق للعنف المتطرف وزميل مركز الشرق الأوسط بمعهد (بروكنز) بواشنطون.
ورغم أن مقال (موسى) مندرج تحت زاوية اسمها (شيء من الفكر وقليل من السياسة)، كما أسلفنا، إلا أنه وقبل أن يستعرض لنا تفاصيل وحيثيات تلك المناظرة المهمة التي فتحت لها دورية بحجم (فورن أفيرز) أبوابها ونوافذها إذ به يحطم نافذة (الفكر) ويدحرج كل شيء من باب (السياسة)، إذ ابتدر تعريفه لـ (حرسي) بأنها صدرت بحقها العديد من الفتاوى التي تقول بتكفيرها، ورغم أن هذه معلومة صحيحة لكن إيرادها ضمن مقال يتوخى (شيء من الفكر)، تعريفاً للشخص المراد التحاور معه، يشي بأن كاتب المقال كان عازماً على التواطؤ ضد آرائها والإطاحة بها، خاصة وأن مقاله موجه لمجتمع (مسلم). وبالتالي، فإن كثيرين من قرائه، وهو يعرف ذلك وربما أراده وخطط له، لن يلقوا بالاً لـ (عضم) إفاداتها بوصفها مرتدة عن دين الله. وعليه، فإن آراءها لا يؤخذ بها.
وخالد موسى إذ يضع تلك (العصابة) على عيون قرائه، فكأني به يريد تعميتهم عن ما كتبته الصومالية المثيرة للجدل في تلك المناظرة القلمية المهمة، إذ قالت ضمن ما قالت – بحسب خالد نفسه – مع إزاحة بعض ما يثير المشاعر الدينية ضدها، إنه ينبغي (تنظيف) التراث الإسلامي من النزعة التكفيرية ضد الآخر، وإنه يجب مواجهة الإسلام كأيدولوجيا، وإن مواجهة التطرف لا بد أن تكون بدعم التيارات الإصلاحية سواء أكانت مجموعات صوفية أو نخباً علمانية, بما لا يعني ذلك إعلان حرب على الإسلام، بل ما هو دعم للتيارات الإصلاحية بالمقدرات والأموال والوسائل والأفكار، وخلق منابر حوار وبرامج أكاديمية ومنشورات بمختلف اللغات الإسلامية، وعدَّت الإسلام كـ (أيدولوجيا) منغلقاً ويحتاج إصلاحاً حقيقياً.
حسناً، لولا أن خالداً أراد منذ البداية لقرائه أن يصطفوا ضد (حرسي)، لأصبح التفاعل مع مقاله أكثر إيجابية حتى مع بعض ما ظهر من تطرف مضاد في آراء أيان حرسي، وهي تقول بضرورة حذف آيات الجهاد من القرآن مثلاً، وكان الأجدر – من وجهة نظري – أن تقول بتفسيرها وقراءتها وتأويلها ضمن سياقتها التاريخية والراهنة.
بطبيعة الحال، لن نمضي أكثر من ذلك، لأن العنوان الذي اختاره خالد لمقاله، يطيح بمبدأ الحوار (عندما يتحول الإصلاح الديني إلى عمل مخابراتي قذر)، والكلمة الأخيرة ضد مبدأ الفكر والحوار أصلاً.