فدوى موسى

الفقر الرجل


لم يكن المشهد أمامها وهم يتضورون جوعاً مشهداً نادراً، فقد اعتادت عليه في تفاصيل يومياتها العابسة.. بعلها (السمج) لم يعد يهم لفكرة ألم جوع أطفاله.. (هو) يرقب الحالة على أنها (دنيا خائنة) (أبت تدي)، والأصل أن هناك مساحات سعي لابد من التحرك فيها.. لم يعد سباب ولعان الأقدار هو المخرج الجميل كما يعتقد البعض ويجزم، حتى أن بعضهم صير الفكرة ترديداً وتمديداً ومعبراً ليومياته، فإن لم يسب أو لم يلعن فهو مقصر.. هؤلاء الذين يزحمون الدنيا بضجيج الكلام وهم لأنفاسهم عاجزون عن مفارقة محطة الكلام.. (هو) يصرفون الكثيرون من الحروف والعبارات والحصيلة (بق زيرو).. حالة الفقر التي تعيشها أسرة (هو) رغم قدرته الجسمانية والذهنية على العمل والإنجاز مردها لحالة كسل عميقة أدمنها وصار من أنصارها مادام لسانه قادراً على مضغ الكلام والنيل من الآخرين بمجرد تحريك اللسان.. وما دري (هو) أن الفقر كائن استعصى على تحديد هويته ما بين الرجل وكائن آخر قوي.. استحال استصطياده أو الوصول اليه حتى قال السلف الصالح (لو كان الفقر رجلاً لقتلته).. (هو) في ذلك اليوم الخريفي البارد ينظر إلى عيون أطفاله الجياع توجساً، فقد أحس أنهم يمكن أن يكبروا نظرتهم التي تحوي (غضباً ما) تجاه… كأنهم يقولون بلا حديث (وقت ما بتقدر تربينا والدنا مالك).. شيئاً فشيئاً يتحول هذا الإحساس إلى بلورة متكاملة من عدم الاحترام والخروج عن طوق الطاعة إلى رحابة فجور كامل، إلى عالم يفتح ذراعيه للانجراف ويمارس سطوة الإنجراف نحو الهاوية، والتسليم لضالة الحال والوضع.. (هو) رغم حالة التهميش التي صار أطفاله يمارسونها عليه فهو بطيء الفهم والتقبل والانفعال.
وحالة التهميش تبدت في خروجهم لالتقاط بقايا المطاعم (الكرتات).. والوقوع في طريق العمل مقابل الأجر الزهيد لأطفال كان يمكنه أن أطلق مارد العمل الذي بداخله إلى الدنيا أن يعدهم لغد أفضل وأفضل.. الآن هم في عداد أطفال الجريمة.. رغم أنهم لم يعودوا يجوعون بذات (الرزم).
آخر الكلام:
انكسر حاجز الاحترام بين الأب وابنه.. والأبوة والطفولة طالما هناك كائن اسمه الجوع يقف في الوسط بينهما.. وأمهاتنا كن يقلن (الطفل شبعيوه وطبعيوه)..
مع محبتي للجميع


تعليق واحد

  1. يشبعوهم كيف مع الحاقد دا ربنا ما اداهو جنا عشان يعرف جوعم

    عشان كدا يكتل فيهم بالجوع والمرض