تحقيقات وتقارير

ثورة التعليم العالي .. جرد حساب..!!


عندما صعدت حكومة “الإنقاذ” في العام 1989 م اتخذت الكثير من القرارات الفورية ، والتى قلبت بها الكثير من الموازين.. تلك السرعة تسببت في أن يحصد السودان نتائج لها ما بعدها ، وربما لم تتحسب لها الحكومة حتى يمكن تفادي ما يحدث من أخطاء ، وكان من أول القرارات التي أصدرتها حكومة الإنقاذ قرارات ثورة التعليم العالي في 4 ديسمبر من عام 1989 ولم يمض على قدومها سوى أشهر قليلة .. بموجب ذلك تقرر زيادة عدد الجامعات ومضاعفة عدد الطلاب المقبولين ، اليوم يمضى على تلك القرارات ربع قرن من الزمان والسؤال الذي يفرض نفسه هو : ما هي النتيجة التى حصدها السودان من قرارات ثورة التعليم العالي؟
البداية
في فبراير عام 1991 انعقد المؤتمر التداولي للتعليم العالي الذي أقر تنفيذ القرارات التي أصدرتها الحكومة بشأن التعليم العالي فورا ، وعلى إثر ذلك تمّ فصل وزارة التعليم العالي عن التربية والتعليم، لتصبح وزارة قائمة بذاتها لتتمكن من تحقيق أهداف تلك الثورة ، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن هناك هناك سؤال ملح ّ يطرح نفسه :إلى أين وصل التعليم العالي ؟
ربما نحاول هنا أن نسهم في الإجابة على هذا السؤال الذي يلح على الناس في سعيهم لمعرفة نتائج تلك الثورة المعلنة
صفوية
كان هدف حكومة “الإنقاذ” الأساسي من ثورة التعليم، حسب وجهة نظرها، هو التوسع في عدد الجامعات وزيادة عدد الطلاب ، بسبب الاختناقات في القبول وزيادة أعداد الطلاب الجالسين للشهادة السودانية والذي صاحبه، كما قالت، ارتفاع في أعداد الطلاب المقبولين بالجامعات خارج السودان ، وقالت إن التعليم العالي أصبح صفويا و قفل الباب أمام الشباب وطموحاته ، وتركزت مؤسساته في الخرطوم مما حرم الأقاليم من إشعاعها ، وضعفت موارده وزادت أعباؤه على الخزينة العامة مما أقعده ، وأن الرابطة بين التعليم العالي وقيم المجتمع قد ضعفت مادة ولغة ، فكانت ترى الحلّ يكمن في إحداث ثورة لتغيير واقع التعليم العالي ،وبناءَ على ذلك أصدرت قرارات التوسع والتى نصت على الآتي :-
مضاعفة الاستيعاب في مؤسسات التعليم العالي و الأخذ بنظام الانتساب ، وإلحاق كل المعاهد العليا والكليات القائمة بإحدى الجامعات المناسبة وتعديل النظم الأكاديمية لتقوم الجامعات بمنح الدبلوم والشهادات الأخرى بجانب البكالوريوس، والأخذ بنظام الكليات الجامعية في الأقاليم التي تتبع للجامعات القائمة ،وإنشاء جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا على نواة معهد الكليات التكنولوجية القائمة أصلا،والتصديق بقيام كليات وجامعات جديدة غير حكومية ومنح الإقليمي منها الامتيازات والمساعدات الضرورية و الفراغ خلال العام الدراسي 90/ 1991م من الدراسات التحضيرية الخاصة باعتماد اللغة العربية لغة تدريس في التعليم العالي، و تعديل قوانين الجامعات والتعليم العالي لاستيعاب تلك القرارات لإزالة التناقض ولإحكام التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي والمجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي.
خطورة
هذه القرارات هي من الخطورة بمكان يجعلها تحتاج إلى زمن طويل يتم فيه وضع خطط متكاملة وعلى مراحل ،حتى تحقق نتائج جيدة يمكن معها أن يتطور التعليم العالي ويحافظ على جودته ، ولكن الذي حدث أن حكومة الانقاذ تعجلت الأمر ولم تمنح نفسها الوقت الكافي لدراسة الفكرة ،وفي خلال العام نفسه فرغت من الدراسات التحضيرية واعتمدت اللغة العربية لغة للتدريس في التعليم العالي ، وشكل الطلاب الذين جلسوا لامتحانات الشهادة السودانية في عام 1990 نفسه الدفعة الأولى ، حيث مضى عليهم القرار لتستقبل الجامعات في العام الدراسي 1990/1991 أول دفعة من ثورة التعليم العالي ، عدد الخريجين في هذا العام كان 3686 ، في العام 1994/1995 تخرج طلاب الدفعة الأولي المقبولون في العام الدراسي 1990-1991 وقد بلغ عددهم 23476 ،أي تضاعف العدد ثماني مرات تقريبا ، واستمرت الحكومة في تنفيذ سياسة التوسع دون توقف وبسرعة إلى أن وصل عدد الجامعات الحكومية إلى 28 جامعة حكومية , وحوالي 32 جامعة و كلية غير حكومية، وخلال عشر سنوات تصاعدت الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم بشكل مذهل , ليصبح عدد الطلاب 138.581 للعام الدراسي 2004/2005م و157788 للعام2005/2006 .
قصة التوسع في الجامعات
قبل حكومة الانقاذ كان هناك خمس جامعات حكومية هي الخرطوم ، والجامعة الاسلامية ، والجزيرة، والقاهرة فرع الخرطوم وجامعة جوبا، بالإضافة الى معهد الكليات التكنولوجية وبعض الكليات والمعاهد والعليا بمستوى الدبلوم.
في عام 1993 تحولت جامعة القاهرة فرع الخرطوم لجامعة النيلين وأضيفت إليها عدد من الكليات وشمل التوسع أم درمان الإسلامية والخرطوم وجوبا ، وكان رئيس مجلس قيادة الثورة قد أصدر قرارا عام 1990 بإنشاء جامعة كردفان وجامعة الفاتح (الفاشر ) بدارفور وجامعة الشرق وجامعة وادي النيل وبدأت هذه الجامعات الدراسة مباشرة في العام 1991 وفي الأعوام الثلاثة التالية 91 و92 و93 أضيفت جامعات جديدة هي الزعيم الازهرى ، وسنار ، وبحر الغزال ، وأعالي النيل ، وجامعة الإمام المهدي .
جامعات إقليمية
في عام 1994م انبثقت جامعات جديدة عن الجامعات الإقليمية السابقة، وذلك نتيجة لقيام الحكم الاتحادي وتقسيم الولايات، وكان هذا بموجب القرار الجمهوري رقم (67) لسنة 1994م، وهي جامعات: القضارف، البحر الأحمر، دنقلا، شندي، زالنجي، نيالا، والدلنج. ثم أعقب ذلك في فترة لاحقة قيام جامعات جديدة خلال الفترة من 95/96/1997م وهي جامعات: النيل الأزرق، وبخت الرضا، وجامعة غرب كرفان. كما تم ترفيع أكاديمية كرري للتقانة التي أنشئت في العام 1994م لتعنى بإعداد الكوادر الهندسية والتقنية لسد حاجات القوات المسلحة من هذه الكوادر إلى جامعة في العام 2008م، وضم إليها بقية الكليات العسكرية الأخرى، ثم بعد تحقيق اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب في العام 2005م، تم إنشاء جامعتي رمبيك والسلام.
توسع
أصبح عدد الجامعات 35 جامعة حكومية بعد أن كانت خمسا عام 1989م. وزادت مؤسسات التعليم العالي الأهلي من مؤسستين عام 1989م (كلية الأحفاد الجامعية وجامعة أم درمان الأهلية) إلى خمس جامعات أهلية وخاصة و(40) كلية ومعهد عالي أهلي خاص و19 كلية تقنية.
وبهذا بلغ مجموع مؤسسات التعليم العالي في عام، 2009م 99 مؤسسة من جامعات وكليات ومعاهد حكومية وخاصة وكلية تقنية. وقابل ذلك توسع في القبول بهذه المؤسسات، فحتى العام 1989م لم تكن مؤسسات التعليم العالي تستوعب أكثر من خمسة آلاف طالب وطالبة وبإنشاء المؤسسات الجديدة ارتفع القبول ليصل العدد المخطط للقبول في هذا العام (2009 – 2010) إلى أكثر من (159) ألف طالب وطالبة للبكالوريوس والدبلوم.
توازن
ولإحداث التوازن المطلوب بين الولايات، حسب وجهة نظر الحكومة ، تم اعتماد سياسة القبول الولائي وذلك بتخصيص مقاعد في الجامعات بالولايات ليتنافس عليها أبناء الولاية. بدأ هذا التخصيص بنسبة 20% وارتفع إلى 30% وليصبح 50%. وقد استوعب القبول الولائي منذ عام 1990م أكثر من 40 ألف طالب وطالبة من أبناء الولايات في الجامعات التي توجد في ولاياتهم
كما تم استيعاب الطلاب الدارسين بالخارج في المؤسسات التعليمية بالداخل. حيث عاد للبلاد (6.122) طالبا وطالبة ، وتم استيعابهم في الجامعات السودانية ، وتحت إشراف اللجنة ومتابعة الإدارة العامة للتعليم العالي الأهلي والأجنبي بالوزارة تم التصديق خلال عقد التسعين على إنشاء مؤسسات جديدة للتعليم العالي الأهلي بالبلاد في كافة المجالات ، إذ ارتفع عدد مؤسسات التعليم الأهلي من مؤسستين في العام 89/90 إلى (45) مؤسسة أهلية وأجنبية في العام 2008/2009م، تُقدم هذه المؤسسات برامج دراسية على مستوى البكالوريوس والدبلوم ويمثل عدد طلابها حوالي 25% من أعداد الطلاب بالتعليم العالي وفي العام 1995م تم ترفيع كلية الأحفاد إلى جامعة الأحفاد للبنات، وكلية أم درمان الأهلية إلى جامعة أم درمان الأهلية، كما تم ترفيع كلية علوم التقانة التي أنشئت في العام 1995م إلى جامعة العلوم والتقانة في العام 2006م، كما تم ترفيع أكاديمية العلوم الطبية والتكنولوجيا التي أنشئت في العام 1996م إلى جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا في العام 2007م. وأنشئت جامعة السودان العالمية عام 1990م بقرار من المجلس القومي للتعليم العالي والبحث العلمي ، وباشرت عملها بقبول أول دفعة لها في العام 1997م. وأنشئت جامعة الرباط الوطني بقرار جمهوري في مايو 2000م، وأجيز قانونها من المجلس الوطني.هذا بالاضافة الى كليات التعليم التقني وكليات تنمية المجتمع .
أخطاء التوسع
يرى الكثيرون أن قرارات ثورة التعليم تلك حملت الكثير من الأخطاء الفادحة ، وأولها أنها أعلنت بعد إحالة عدد كبير من الأساتذة للصالح العام حتى قيل إن النقص في الجامعات الخمس القديمة بلغ 54% من أعضاء هيئة التدريس ، في هذا الزمن تضاعف عدد الطلاب مرات ومرات ، مما انعكس على الجامعات بصورة مزعجة ، واستعانت الحكومة بالكوادر غير المؤهلين للتدريس بالجامعات واستعانت بغير ذوى الخبرة في إدارة الجامعات والكليات واقسامها العلمية .
فقدان المعايير
من الأخطاء التى ارتكبتها الإنقاذ في سياسة التوسع أنها لم تقم بإنشاء تلك الجامعات وفقا للمعايير المناسبة بل قام أغلبها في مؤسسات سابقة أو مدارس قديمة بعد إلغاء المرحلة المتوسطة ، وكان أغلبها يفتقر تماما إلى البيئة المناسبة بالجامعات ، كما أنها لم توفر الأستاذ الجامعى المؤهل والمدرب قبل تنفيذ القرار، خاصة أن هناك عددا كبيرا من أساتذة الجامعات أقيل للصالح العام أو هجر الجامعات نتيجة اعتراضه على تلك القرارات ، وبناء عليه صحبتها الكثير من الآثار السالبة .

التيار


‫4 تعليقات

  1. القليل من الاثار السالبة والكثير جدا من الايجابيات .. اليوم بالخليج الاف الاطباء والمهندسين والمحاسبين جميعهم من خريجي هذه الجامعات أما عن تأهيل المباني و و . فنحن درسنا بالهند في قاعات عبارة عن (رواكيب) . فلماذا كل مشاريع الانقاذ عنزة ولو طارت

  2. يا ناس عارضوا زي ما دايرين . بالمنطق لو ما في توسعة وعشنا على المؤسسات القديمة ال 400 الف طالب الامتحانات السنة كان يقروا وين . ما ممكن السكان في زيادة وفهم الناس للتعليم ما زي زمان . زمان القرية تلقى فيهو طلاب بعدد أصابع اليد ولكن حاليا أقل قرية في الريف فيهو أكثر من مائة تلميذ وطالب . التجويد مطلوب بالحيل والتوسع في التعليم العالي فيهو ايجابيات بالرغم من وجود السلبيات . كاتب المقال حدثنا بالسلبيات لماذا لم تذكر ولو واحد من الإيجابيات . معليش نحن دائما نركز علي السلبي لماذا ? الله اعلم

  3. صحيح انه القرار كان سريعا
    بغضالنظر عن الاخطاء
    فهو القرار الصحيح وكل واحد اتخرج من الجامعه يجب ان ينظر الي مقعده بالخلف 8 خطوات
    يعني ياطبيب يا متخرج من الخرطوم قد لن تكون بغيرهذه التورة ومثله اطباء الاقاليم
    وينسحب ذلك علي كل الخريجين