يوسف عبد المنان

مأزق الحوار الوطني


دبَّ اليأس في أوساط القوى السياسية المعارضة من بطء وسلحفائية الحوار الوطني وتعثر لقاء قادة المعارضة من خلال آلية (7+7) برئيس الجمهورية لأكثر من ستة أشهر، وشكل خروج الإمام السيد “الصادق المهدي” ضربة وهزيمة كبيرة لجهود الوفاق الوطني واتفاق السودانيين على التراضي السياسي الذي ينأى ببلادهم من مصائر بعض البلدان التي سدت منافذ التواصل والحوار وأصبحت البندقية والعنف هي الخيار، ويعتبر النموذج السوري هو المثال الذي يجب على الجميع أخذ الدروس والعبر منه.
ولكن جهود الحوار الوطني في السودان تعرضت لنكبات كبيرة جداً من جانب المعارضة والحكومة معاً.. فالمعارضة أعلنت جهراً أنها تتخذ الحوار وسيلة لإسقاط النظام..وأن أي حوار لا يؤدي لإسقاط النظام لا جدوى منه،، لذلك (ارتابت) الحكومة من تلك التوجهات وأخذت في التباطؤ في إنفاذ استحقاقات الحوار الوطني، وانتهجت المعارضة سلوكاً آخراً بالتحالف مع حاملي السلاح وإسناد مليشيات الحركة الشعبية ومليشيات مناوي ومليشيات حركة العدل والمساواة شعبياً وتسويق قادة هذه المليشيات في الندوات الجماهيرية وتجميل سلوكهم في الوقت الذي تقوم فيه هذه المليشيات بالهجوم على بعض المدن ومهاجمة القوات المسلحة والمواطنين في بعض المناطق الآمنة.. ووقعت المعارضة جملة من الاتفاقيات السياسية مع الفصائل العسكرية لتتقوى بها.. وترفع من سقوفات مطالبها، في الوقت الذي بدأت الحكومة في مراجعة اندفاعها الشديد نحو الحوار.. فاعتقلت الإمام السيد “الصادق” و”فاروق أبو عيسى” رئيس ما يعرف بقوى الإجماع الوطني والمحامي “أمين مكي مدني”.. وعزلت أحزاب الأمة القومي والبعثيين والشيوعيين عن الحوار في الوقت الذي أقبل المؤتمر الشعبي على الحوار ومعه الأحزاب المنشقة من المؤتمر الوطني مثل حزب منبر السلام لـ”الطيب مصطفى” وحزب الإصلاح الآن.. ولكن الحكومة لم تقابل رغبات هذه الأحزاب الداعمة للحوار والراغبة بشدة بما يستحق موقفها. وأصبح المحامي “كمال عمر عبد السلام” حريصاً على الحوار الوطني أكثر من حرص الوطني. لأن “كمال عمر” شخصية سياسية شديدة الالتزام بمواقف المؤتمر الشعبي، وهو الأقرب للشيخ “الترابي” من كل القيادات، وما يقوله “كمال” يمثل رأي “الترابي”.. ولكن المؤتمر الوطني ظل يتحدث عن الحوار (بمن حضر)، وهي عبارة تقلل من شأن المقاطعين وتسفه مواقفهم وتجعلهم مضافاً فقط.. وفي هذا المناخ تتعرض عملية التسوية بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال إلى نكسة كبيرة بفشل مبادرة “إمبيكي” ووصولها إلى الطريق المسدود حيث بات أمام الوسيط الرفيع المستوى خياراً وحيداً بالعودة للاتحاد الأفريقي وإبلاغه بفشله في تقريب وجهات النظر بين الحكومة والحركة. وبعد خمس سنوات يفشل الوسيط حتى في حمل الطرفين لاتفاق على أجندة التفاوض.. في الوقت الذي ضعفت حركات التمرد الدارفورية وتصدعت وبات التفاوض معها يمثل إحياءً للموتى، خاصة بعد الضربة العسكرية والعملية الاستخبارية والتي قضت على حركة العدل والمساواة من خلال الضربة الكبرى بقتل رئيسها د. “خليل إبراهيم” والضربة الثانية لقواتها التي كانت في طريقها إلى دارفور هذا الصيف. ولكن دارفور رغم انحسار التمرد تفشت فيها الفوضى وحالة (الانفلات) الأمني في المدن الكبرى.
ولا تلوح الآن في الأفق بوادر نجاح للحوار الوطني في ظل عزوف القوى الرئيسية عنه.. وتمسك القوى حاملة السلاح بإسقاط النظام.. ورفضها التنازل عن تلك المواقف.. لتتلبد السماء بغيوم لا يعرف أين يهطل مطرها.. ولكن خيبة أمل عامة الناس كبيرة جداً في قادتهم الذين لا ينظرون إلى ما حاق بالشعب من ضنك في العيش ومسغبة وفقر.. ونقص في الثمرات والأنفس.