منوعات

“ﺯﺭﻋﻮﻙ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻳﺎ ﻣﻦ ﻛﺴﺎﻧﻲ ﺷﺠﻮﻥ” أبو داود.. مدرسة صوتية متفردة وعبقرية أدائية قل نظيرها


الفراش يترك أثراً على الأسطح حين يحط عليها، فما بال من يأسر القلوب بعمق صوته وشدوه وإن تعاقبت السنون، فما تركه الفنان عبد العزيز محمد داود أبوبكر (أبوداود) ثروة فنية قيمة لا زلنا (نقتات) منها حتى يومنا هذا رغم رحيله منذ (31) عاماً، إذ غادرنا في الرابع من أغسطس 1984م.
ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻥ ﺧﻠﻮﺩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ يقاس بما يخلفه من آﺛﺎﺭ عظيمة؛ ﻭﻗﺪ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ الكبير ﺛﺮﻭﺓ تفوق نفائس ﺍﻷﺭﺽ؛ وﻔﻲ ﻣﺸﻮﺍﺭﻩ البديع ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻼﻣﺤﻪ ‏(ﺍﻷﺳﺎﻃﻴﺮ) ﻛﻢ ﺃﻟﻬﻢ ﺃﺑﻮ ﺩﺍﻭﺩ ‏(ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ) ﻭﻛﻢ ﺳﺎﻣﺮﺕ ﺃﻏﻨﻴﺎﺗﻪ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ‏(ﺍﻟﻮﺩ).. ﻭﺯﺭﻋﺖ ﻓﻲ القلوب ﻤﻮاسم ﻣﻦ ﺤﻨﻴﻦ وفصولاً من شجن.
لحظة الإلهام ومسيرة الانطلاق
‏(ﺃﺣﻼﻡ ﺍﻟﺤﺐ) للشاعر محمد عبد الله الأمي؛ بداية مشواره الفني البديع بصحبة الراحل الموسيقار برعي محمد دفع الله الذي أبدع ألحاناً كساها صوت أبو داود بهجة وحللاً لتسير بين الناس، حيث انطلق بقوة واحتل مكانة مرموقة بين رصفائه الفنانين وذلك لامتلاكه حنجرة قوية عذبة عميقة دافئة ذات صوت قوي شامخ بالإضافة إلى روعة انتقائه للمفردة الشعرية: (ﺯﺭﻋﻮﻙ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﻳﺎ ﻣﻦ ﻛﺴﺎﻧﻲ ﺷﺠﻮﻥ، ﻭﺭﻭوﻙ ﻣﻦ ﺩﻣﻲ ﻳﺎ ﺍﻟﻼﺩﻥ ﺍﻟﻌﺮﺟﻮﻥ).
عبد العزيز المولود في بربر عام 1921م، كان خفيف الظل تستلطفة المجالس لفنه وسرعة بديهته وحضور قفشاته، ﺘﻔﺮﺩ ﺑﺄﻏﻨﻴﺎﺕ ﺗﺤﺎﺭ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺑﻊ ﺃﻟﺤﺎﻧﻬﺎ؛ وكأنها ﺗﻮﺃﻣﺔ ﺧﻼﻗﺔ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺴﺘﺤﻴﻠﺔ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻤﻌﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﺎﺭ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻠﺤﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻫﺸﺔ ﺑﺮﻋﻲ محمد دفع الله ﻓﻜﺎﻥ نتاج ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ ﻛﻨﺰ ﻣﻦ ‏ﺍﻟﻄﺮﺏ‏ والتطريب، وفي ذلك تشير المعلومات التي حُزنا عليها من مصادر مطلعة إن له بمكتبة الإذاعة السودانية (181) أغنية منها (31) من أغاني الحقيبة و(45) من ألحان الموسيقار الراحل برعي محمد دفع الله و(35) نشيداً وطنياً و(49) من الأناشيد والمدائح والابتهالات و(20) مقابلة إذاعية، أما أكثر الشعراء الذين تغنى بأعمالهم فكان الطاهر محمد عثمان.
خلال ذلك
بدأ أبو داود مسيرته الفنية بترديده أغنيات الحقيبة خاصة أغنيات فضل المولى زنقار مثل (لي زمن بنادي)، و(حبيبي غاب في موضع الجمال بلاقي)، ثم تعرف على الموسيقار برعي في مدينة الأبيض حيث كان هناك لإحياء حفل وكانت المدينة حينها في قمة ازدهارها الثقافي والفني والاقتصادي، تعج بكوكبة من المبدعين بينهم الشعراء محمد عوض الكريم ود القرشي، محمد علي عبد الله الأمي، سيد عبد العزيز وغيرهم، فحدث تحول جوهري في اتجاهات أبو داود الغنائية تم تدشينه كما أسلفنا بأغنية (أحلام الحب).
وفي السياق
تغنى الراحل بأغنيات خالدة منها العاطفي، مثل (أهل الهوى, لوموه اللاهي, دوام بطراهم, أحلام العذارى، فينوس، صغيرتي، أجراس المعبد) لحسين عثمان منصور كما تغنى للشاعر إسماعيل حسن بأغنية (عذارى الحي)، وجمعته العديد من الأغنيات مع الشاعر المرهف عبد الرحمن الريح مثل (يخجل البدر, على النجيلة, سمير الروح, جافوني الأحباب)، والعديد من الأغنيات الرائعة لشعراء آخرين لا يزال المطربون يرددونها حتى اليوم.
أنشد أبو داود العديد من المدائح النبوية منها (السراي، أنتم فروضي) وكان الراحل صاحب نكتة وبديهة حاضرة، وعن ذلك يحكي الفنان الراحل أحمد المصطفى، فيقول إن إحدى الرحلات الفنية إلى مدينة جوبا برفقة الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري جمعته بأبو داود وحسن عطية الذي كان مغرماً بفن أبو داود وقفشاته، وحينها كان الفنان الراحل محمد وردي معتقلاً بكوبر، يقول العميد: “قررنا الثلاثة مكاشفة الرئيس في أمر زميلنا المعتقل (وردي) فكان خيارنا أن يتولى ذلك أبو داود باعتباره الأقرب إليه خاصة وأن الرئيس كان عقب كل فاصل له يستدعيه ليحكي له (نكتة) وفي الأثناء سأله “يا ريس.. وردي” وقبل أن يكمل ثارت ثائرة النميري وقال بصوت مسموع “وردي مالو؟” وبسرعة تدارك أبو داود: “دايرين تعدموه متين؟” فضحك النميري وأمر بإطلاق سراح وردي فور عودته من جوبا”.
وفصل ختاماً
فإن أبو داود للذين استمتعوا بفنه، يعتبر ظاهرة لن تتكرر فقد حفظت أجيال كاملة أغنياته ونكاته ولا زالت متداولة حتى اليوم، لذلك فإن الحديث عنه لن ينتهي، وإنما هذا كله غيض من فيض عن سيرته العامرة بالإبداع والفن الراقيين.

اليوم التالي


تعليق واحد

  1. عندما كنت فى عمر العاشرة كنت استمع للاذاعة واسمع اغانيه كنت لا استطيع ان افهم بعض كلمات اغانيه لكن من بعد عرفت كم هو مبدع اللهم ارحمه