حوارات ولقاءات

قطبي المهدي : سجين فرنسي علّمني “شفرة” تجنيد الشباب للحركة الإسلامية .. في سجن كوبر كنا نأكل الـ (جراية) فأشفق الطباخ علينا وأصبح يأتينا ببقايا أكل الوزراء والسياسيين الكبار


سجين فرنسي علّمني “شفرة” تجنيد الشباب للحركة الإسلامية

صورتي مع الأبقار في سجن “الجريف” أزعجت وزير الداخلية فتم تحويلنا لـ “زنازين” الإعدام بسجن كوبر

في سجن كوبر كنا نأكل الـ (جراية) فأشفق الطباخ علينا وأصبح يأتينا ببقايا أكل الوزراء والسياسيين الكبار

جهاز الأمن تمكن من فك “الشفرة” وقام باعتقال كل من جنّدتهم لاحتلال الخرطوم

مدير سجن أمدرمان كان يأتي إلينا بـ(الزلابية) والشاي من منزله

الإضراب عن الطعام في المتوسطة كان أول أنشطتي السياسية

في هذه السلسلة من الحوارات، نحاول أن نسلط الضوء على الجوانب الخفيَّة في حياة بعض الذين ارتبطوا لدى الذاكرة الجمعية للشعب السوداني بالإشراقات وربما الإخفاقات. ونسعى من خلال ذلك إلى تتبع سيرة من أسهموا ــ سلبًا أو إيجابًا ــ في حركة المجتمع والسياسة، وبالطبع نهدف إلى تقليب أوراق حياتهم المرتبطة بالجانب العام، دون أن نتطفّل على مخصوصاتهم، حال لم تكن ذات علاقة مباشرة بالشأن العام. دافعنا في كل ذلك أن نعيد كتابة الأحداث والتاريخ، بعد أن تكشّفت الكثير من الحقائق المهمة، حول كثير من الوقائع التي أثرت في المشهد السياسي السوداني.

(أ) أولاً نود أن نتعرف على الميلاد والنشأة؟
أنا من منطقة “المحمية” بولاية نهر النيل، وبها ولدت في العام 1946م، بعدها سافرت أسرتي لولاية كسلا ونشأت في حي الجسر بمدينة كسلا ودرست الخلوة هنالك، وفيها تشكلت شخصيتي الباكرة.

(ب) بدايةً حدثنا عن طبيعة الحياة في مدينة كسلا في ذلك الوقت؟
بثقة تامة، أستطيع القول إن مدينة كسلا كانت نسيج وحدها، إذ أن تكوينها الديمغرافي كان غريباً جداً ولا أحسب أن هنالك مدينة مثلها في السودان عدا بورتسودان، وفيها عدد كبير من الجنسيات كالهنود واليمنيين الذين يعملون في المقاهي والمطاعم وعددية كبيرة من الأرتريين والصوماليين والإغريق يعملون في الفنادق ومحال الحلويات، وكان في غرب القاش عدد كبير من قبائل غرب أفريقيا.

(ت) تفاصيل الحياة في ظل هذا التنوع، تحتمل أن تكون مشحونة بالخلافات والمشكلات، هل كان هذا الأمر حادثاً؟
ترابط وثيق وألفة كبيرة جمعت بين كل هذه الجنسيات. ولم يكن التنوع عامل هدم، وإنما عامل بناء، وكانت الحياة تسير بصورة مميزة جداً وتختلف من كل مدن السودان الأخرى، وكان المجتمع متجانساً ومترابطاً بدرجة كبيرة، من كل هذا التنوع العالمي تكونت شخصيتي في كسلا.

(ث) ثمة تفاصيل دقيقة عن كسلا، لا يعرفها الكثيرون، وهناك تخليط كبير بشأنها؟
ثقتي أن عدداً كبيراً من الناس يملكون معلومات خاطئة عن كسلا، ومنهم من يعتقد أنها كانت مدينة سكنية، وهذا غير صحيح، لأن كسلا وقتها كانت مركزاً إدارياً حكومياً فقط ومحطة للسكة حديد ولم تكن هنالك مدينة تسمى كسلا بل المدينة هي التاكا “شرق القاش” وهذه من الأشياء التي لا يعرفها الكثير من الناس.

(ج) جنسيات عديدة درست معها في المرحلة الابتدائية، ما الذي أضافه لك هذا التنوع؟
جُل الذين كانوا يدرسون معي في مدرسة كسلا الأولية في العام 1953م كانوا من الأجانب مثل الإغريق واليمنيين والحبش والصوماليين والعلاقة بيننا كانت مميزة جداً، وكنت أحب المدرسة لدرجة كبيرة خاصة وأنني كنت أسكن في بيوت “جالوص” لذلك أحضر للمدرسة مبكراً لأنني كنت أحبها وهي في غاية الجمال وتمثل لي المستقبل وأحضر إليها وفي ذهني أن أصبح يوماً “أفندياً”.

(ح) حدثنا عن فترة الدارسة في المدرسة الوسطى؟
حفلت تلك الفترة بمتغيرات كثيرة من ضمنها انتقالي لمدرسة كسلا الأميرية الوسطى في العام 1957م بعد أن نال السودان استقلاله حيث تغير الوضع كذلك في التعليم، وفيها كنت أهتم بالرسم بصورة كبيرة، وأذكر أنني رسمت مشهداً عن قناة السويس أثناء حرب القناة حيث الصواريخ والطائرات الإنجليزية والفرنسية تضرب القناة والجنود المصريين يتصدون لها بالمضادات الأرضية، بهذه الصورة أحرزت الجائزة الأولى في مسابقة الرسم.

(خ) خصصت بعض المدارس مساحة وافرة لطلابها من أجل الاطلاع على أمهات الكتب؟
خلال تلك الفترة كنت أقرأ لطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وشعر إيليا أبو ماضي وشوقي عبد العزيز وخليل جبران والمازني” وعدد من الكتاب العرب الشهيرين، أذكر أن يوماً قمت باستلاف كتاب الأيام لطه حسين عندما قرأت كل الفصل الأول من الكتاب لم أفهم فيه شيئاً ذلك أن اللغة التي كتب بها تفوق إدراكي في ذلك الوقت وأنا طالب في المتوسطة فقلت لأبي لم أفهم شيئاً من هذا الكتاب فقام بشرحه لي ومن ثم واصلت قراءته، ولم أكن أحب القراءة لكتب العقاد، ولم أكن أكتب الشعر ولكن أحبه جداً وأحفظه بصورة “جنونية”، لم أكن أهتم بالأدب العربي الذي يأتي من مصر لأنني كنت أعتبره أدباً تهريجياً.

(د) درج الطلاب على ممارسة السياسة في المدارس، فهل كنت ممارساً لها في المدرسة الوسطى؟
درست كل المرحلة الوسطى دون أن تكون لي أي علاقة بالعمل السياسي. أما أول محاولة لي لممارسة السياسة فكانت في مشاركتي مع طلاب الداخلية في الإضراب حينما احتجوا على الطعام وقرروا الإضراب عن الأكل وطلبوا منا نحن سكان المدينة بالمشاركة فشاركنا، فقال لنا الأستاذه مالكم مضربون عن الطعام قلنا لهم طلاب الداخلية الأكل لم “يعجبهم” فـ”ضحكوا” علينا وتحدثوا معنا فاستجاب بعضنا وتعنت آخرون وتمت معالجة الأمر.

(ذ) ذلك ما كان من أمر المدرسة الوسطى فماذا عن الانتقال للثانوية؟
ذاكرتي لم تنس حتى اليوم تفاصيل الرحلة بالقطار من كسلا حتى مدينة بورتسودان حيث انتقلت لمدرسة بورتسودان الثانوية في العام 1961م، وكانت نقلة كبيرة في حياتي بالسفر خارج كسلا والسكن في داخلية وجدت مجتمع بورتسودان لا يختلف عن مجتمع كسلا، وكان كل أساتذة المدرسة من الأجانب عدا شعبة اللغة العربية والدين فهم من الأزهر الشريف.

(ر) ربما تكون هذه أول مرة تسكن في داخلية، هل واجهتك مشاكل في التأقلم مع الوضع الجديد؟
روح عالية كانت تسود الداخلية من خلال التعامل المتميز بيننا، لكن مع ذلك فقد واجهتني العديد من المشاكل في التأقلم مع الداخلية حيث أنني لم أكن أستطيع “غسيل” ملابسي ذلك لأنني لم أكن أفعل ذلك من قبل فأصبحت أذهب للغسال في المدرسة، كما أن الداخلية والمدرسة كان بهما نشاط فكري كبير من تيارات الإخوان المسلمين الذين أنتمي إليهم بالفطرة، وكذلك الحزب الشيوعي وحزب البعث ومجموعة أخرى تسمى “الوجوديون”. ولسبب ما كانت كل هذه الجماعات مهتمة بانضمامي لها، فكان أن حضرت عدداً من اللقاءات لحزب البعث بغرض إقناعي للانضمام لهم لأنني كنت أخبئ عليهم انتمائي للحركة الإسلامية وبعدها رفضت فكرة الانضمام لحزب البعث وجاهرت بالانضمام للحركة الإسلامية في النصف الثاني للعام بالمدرسة.

(ز) زدنا تفصيلاً عن فترة وجودك بمدرسة بورتسودان الثانوية؟
زادت قناعتي بأن كسلا ومدارسها تعتبر من أميز المدن والمدارس، وكانت مدرسة بورتسودان الثانوية تتفوق على الأميرية بكسلا في أن الأساتذة كانوا من الأجانب. وكان مقررًا في أيام “الأحد والأربعاء” تدريب عسكري بصورة “صعبة” جداً وكانت العقوبة صارمة لمن لم يأت للتدريب بزيه الكامل فالعقوبة في هذه الحالة عسكرية كالوقوف لساعات طويلة “إدارة داخلية”.

(س) سياسة التدريب العسكري هذه لم تكن موجودة في الوسطى، كيف استطعت أن تواظب عليها؟
سر إعطاء الطلاب الجرعة العسكرية هو تأهيلهم لخدمة الدولة حينما يُطلب منهم لذلك كانت الضوابط صارمة في حضور التدريب، وأذكر أنني لم أحضر ذات يوم حصة “الجمباز” فتم رفع اسمي للناظر فجاء للفصل غضبان جداً وتحدث مع مشرف الفصل وقال له إن الطالب الذي كنا نفتكره أفضل طالب من حيث الانضباط والتهذيب تغيّب عن “الجمباز” وقال إنه كان مشغول.. وبعد حديث الناظر بكيت بكاءً شديداً لأنني تأكدت أنه كان يحترمني جداً وفي ذلك اليوم حسبت أنه فقد الثقة فيي لسوء الفهم الذي حدث بعدها قال لي اذهب.

(ش) شهادة المرحلة الثانوية تعتبر عتبة حقيقية في ذلك الزمان، فكيف اجتزتها؟
شاركت في أحداث ثورة أكتوبر، وكان لذلك تأثير كبير في حياتي وتحديد خياراتي الدراسية الجامعية، وعندما امتحنت الشهادة الثانوية في العام 1965م، واجتزتها بنجاح، تم قبولي في جامعة الخرطوم كلية القانون لأنني كنت أنوي التخصص في الشريعة. وكان عدد كبير من الأساتذة في المدرسة وزملائي طلبوا مني الدراسة في المجال العلمي في الجامعة وزجروني لالتحاقي بالقانون، لكن الحقيقة أنني تأثرت بسلسلة كتابات الدكتور مصطفى الزرقة عن الفقه الإسلامي في ثوبه الحديث وكتاب القانون الجنائي في الإسلام لعبد القادر عودة. وكنت في قمة حماسي للحركة الإسلامي لذلك قرأت القانون لإقامة دولة إسلامية حديثة.

(ص) صيّرت الانتماءات السياسية والفكرية بعض الطلاب، على عداء مع الرياضة، فهل كانت لك ميول رياضية؟
صادفت فترة دراستنا، ازدهار وتطور الرياضة، لذلك كانت لنا ميول لكرة القدم وأنا كنت أمارسها منذ صغري في مدينة كسلا وكنت ألعب في خانة “حارس المرمى” وكنت مميزاً جداً فيها، وكذلك مارست كرة السلة وتعلمت السباحة في بورتسودان في البحر الأحمر وهناك قصة طريفة لتعلمي السباحة فذات يوم ذهب أحد زملائي للسباحة وقلت له أين تعلمتها فقال لي هنا في البحر الأحمر الماء مالح لذلك لأ أحد يغرق حتى وإن كنت لا تعلم السباحة فشجعني وقمت بالقفز داخل الحوض فلم أستطع السباحة أوشكت على الغرق وتم إخراجي ولسوء حظي شربت جرعة من الماء شديد الملوحة فتألمت ألماً شديداً وكانت تجربة سيئة جداً لكن بعد فترة عدت مرة أخرى وتعلمت السباحة.

(ض) ضربت مثلاً في التمسك بالحركة الإسلامية ورفضت الانضمام لتيارات أخرى في المرحلة الثانوية، فماذا حدث بعد دخولك جامعة الخرطوم؟
ضريبة الانتماء للحركة الإسلامية كانت كبيرة حيث تعرضت لمشاكل كبيرة في الجامعة في عدة فترات وبالرغم من هذا ظللت أمارس العمل الإسلامي بصورة مكثفة في الجامعة للترويج للحركة الإسلامية رغم الصراع بين القوى الحديثة والأحزاب التقليدية التي ترى أن السودان هو ملك لها ويجب أن تحكمه.

(ط) طبيعة تعامل انقلاب مايو مع الطلاب كانت شديدة الوطأة وقاسية جدًا؟
طرأت العديد من المتغيرات بعد انقلاب مايو، على المشهد السياسي الطلابي حيث واجهتنا عدة مشكلات في ممارسة العمل الإسلامي داخل الجامعة، وتم اعتقالي عقب الانقلاب مباشرة وتم الحكم علي بدون سبب غير أنني إسلامي، وتم حل اتحاد الطلاب وفصل بروفسير عبد الله الترابي وعبد الله الطيب وكل عمداء الكليات وعدد من الأساتذة وتم استبدالهم بالشيوعيين، لكن الطلاب رفضوا هذا التغيير وأعلنوا رفضهم للانقلاب العسكري وقمنا في الحركة الإسلامية بالإعلان عن ندوة للحديث حول هذا الأمر وتم اعتقالي ومعي أحد الزملاء يسمى جار النبي وتم تشكيل محكمة لنا لكن القاضي أطلق سراحنا وعند خروجنا من باب المحكمة قال لنا أحد الضباط يجب أن توقعا على عدم إقامة ندوة في وقت آخر في الجامعة وإلا سوف يتم اعتقالكما الآن لكننا رفضنا التوقيع.

(ظ) ظلم كبير حاق ببعض الرافضين لسياسات نظام النميري، فماذا حدث بعد رفضكم التوقيع على التعهد؟
ظن سدنة نظام النميري الموجودون بالمحكمة أننا سنوقع إقراراً وتعهداً بعدم ممارسة العمل السياسي، لكننا رفضنا، فقاموا برفع قضية مستعجلة ضدنا لدى ذات القاضي الذي برأنا في المرة الأولى لكن يبدو أنهم في هذه المرة قاموا بتهديده فقام بالحكم علينا لمدة ثلاث أشهر وقال لنا القاضي إن لم توقعا بعد هذه الفترة سأقوم بتجديد الحكم عليكما، وتم حبسنا في سجن أمدرمان. وكان مدير السجن يتعامل معنا بصورة طيبة وكان يأتي إلينا بـ(الأكل والشاي والقهوة والزلابية) والصحف من منزله، وكنا نسكن مع العساكر في “الكركون” احتراماً لنا كطلاب، لكن لسوء حظنا تسربت معلومات خارج السجن عن تعامل مدير السجن معنا بهذه الصورة الطيبة ولهذا تم تحويلنا لسجن الجريف وفترة سجننا فيه كانت “ظريفة” جداً بالرغم من أن السجن يعتبر زريبة فيه عدد من الأبقار عاملونا بصورة سيئة جداً وتم تكليفنا بالاهتمام ورعاية مزرعة البقر.

(ف) فترة طويلة قضيتها في سجن الجريف، فهل كان هناك تواصل بينكم والخارج أم انقطع التواصل، على اعتبار أنكم محكومون سياسياً؟
في السجن جاءنا أصدقاؤنا من الجامعة للزيارة فوجدونا في وضع لم يعجبهم ونحن نقوم برعاية الأبقار فقاموا بتصويرنا ونشر الصور في الجامعة وهذه الصور حركت الوضع السياسي في الجامعة بصورة كبيرة الأمر الذي على إثره قام وزير الداخلية باستدعاء كل مديري السجون وزجرهم عن السماح بالتصوير داخل السجن، فأمر بتحويلنا لسجن كوبر.

(ق) قرار وزير الداخلية هل جاء في صالحكم أم أنه زاد الأمر سوءًا؟
قام مدير سجن الجريف بنقل كل المساجين إلى كوبر ولم يفهم حديث الوزير الذي أمر بنقلي وزميلي لسجن كوبر. وعند وصولنا سجن كوبر قال لنا مدير السجن سيتم حبسكم في الزنازين الشرقية، بالفعل تم اقتيادنا إلى هناك.

(ك) كيف كانت ردة فعل بقية المساجين خاصة أنهم أتوا إلى سجن كوبر عن طريق الخطأ؟
كان معنا – حينما تم تحويلنا الى سجن كوبر – أحد السياسيين المعروفين حاليًا، وعندما سمع حديث مدير سجن كوبر بتحويلنا للزنازين الشرقية للسجن، سقط على الأرض، وقلت له ما بك، فقال لي إن الزنازين الشرقية مخصصة للإعدام.. لكن سرعان ما غيّر مدير السجون رأيه وقال لا أريد كل هؤلاء، بل أريد فقط “قطبي” ومعه “جار النبي” وتم إرجاع بقية المساجين لسجن الجريف.

(ل) ليتك حدثتني عن فترة سجن كوبر خاصة أنك تزوره لأول مرة؟
لا يتصور أحد المعاناة التي عشناها في الأيام الأولى في سجن كوبر، فقد كنا نأكل في اليوم وجبة واحدة عبارة عن (جراية) وهي عبارة عن قطعة من الدقيق الأحمر شديدة المرارة ومعها كوب ماء، ولم يعجبنا الأكل وتحدثنا مع العساكر في هذا الشأن فقالوا لنا سنتحدث لكم مع الطباخ ليأتي لكم بالأكل سراً، فكنا ندفع قدراً من المال للعسكري لتسهيل الأمر للطباخ.

(م) ما هي نوعية الطعام االذي كان يأتي لكم به الطباخ؟
مرة بعد أخرى كان زملاؤنا يزوروننا في السجن ويأتوا إلينا بمبالغ مالية مقدرة، وكنا نقوم بمنح الطباخ بعض المال حتى يقوم بتحسين الاكل لنا. وأذكر أن الطباخ أصبح عندما يحمل أكلاً لأحد المساجين من الوزارء والشخصيات السياسية المعروفة يقوم بالاحتفاظ بجزء من الطعام، ويأتي إلينا به.

(ن) نود أن نتعرف على أبرز المعتقلين معكم في الزنازين الشرقية؟
نادراً ما يخرج الإنسان من السجن دون أن يضيف لمهاراته ومقدراته أشياء جديدة، فالسجن أفضل معلم، وفيه تعلمت من أحد المساجين ممن كان معنا في الزنازين الشرقية، العديد من المهارات، وهو فرنسي من أصول جزائرية وكان يعمل في مخابرات الثورة الجزائرية فقام بتعليمنا “شفرة” لإخفاء الأسماء لنستخدمها في التجنيد للحركة الإسلامية.

(ه) هل تحدث لكم عن أمر يخص السودان؟
هو لم يكن يميل الى الحديث عن السودان، وكان كثير الحديث عن شخصيته، لكنه مع ذلك أذاع لي أمراً خطيراً وأخبرني بوجود خلية إسرائيلية في الخرطوم وأن هناك طيارين يعملان في شركة الطيران البريطانية في خط أسمرة الخرطوم – وقتها – وأن هناك محطة تجسس تابعة للموساد الإسرائيلي في أسمرة، وأن هؤلاء الطيارين يأتيان الخرطوم ويتواصلان مع إسرائيلي يعمل في “دكان” في السودان ويحملان منه معلومات إلى أسمرة، وهذه المعلومة كنت مهتماً بها حتى بعد أن أصبحت مديراً لجهاز الأمن وكونت لجنة لمتابعة الأمر.

(و) وماذا حدث بشأن الدراسة الجامعية أثناء وجودكم في السجن؟
وصولنا إلى سجن كوبر كان في العام الدراسي الأخير، وكنا على اعتاب التخرج، لذلك تم تكليف محام ليتابع اعتقالنا، فتم إطلاق سراحنا بعد شهرين من الاعتقال. وخروجنا من السجن تزامن مع انتخابات اتحاد الطلاب وشاركنا فيها في قائمة الإخوان المسلمين وكان معنا مولانا أحمد إبراهيم الطاهر وعلي عثمان وبروفيسر جعفر ميرغني والزبير بشير طه ودكتور تاج السر مصطفى، وفزنا فوزاً كاسحاً فيها وكان ذلك قاسياً على ثورة مايو لأن الفوز جاء بعد أسابيع قليلة من قيامها، لذا غضب المايويون وقاموا بفصلنا بقرار من إدارة الجامعة، قبل (21) يوماً فقط من الامتحانات النهائية، وبعدها اختفيت وسافرت الجزيرة أبا.

(ي) يبدو أنك استفدت من الشفرة التي تعلمتها من السجين الفرنسي من أصل جزائري؟
يعود نجاحي في الاختفاء إلى الشفرة التي تعلمتها في السجن، وذلك حينما قمت برحلة من النيل الأبيض حتى دارفور قبل أحداث الجزيرة ابا، وذلك لتجنيد بعض الشباب للحركة الإسلامية، وبالفعل استقطبت عدداً كبيراً لها وكانوا مستعدين للحضور للجزيرة لاحتلال الخرطوم وأن يكونوا قيادات للأنصار. ولم يستطع جهاز الأمن معرفة أسمائهم في الشفرة، لكنني اضطررت لفك الشفرة في الجزيرة أبا لإعطائها لـ”الشهيد” محمد صالح عمر، ومولانا الكاروري وجهاز الأمن وجدها لديهم وقام باعتقال كل الأسماء الموجودة فيها من كوستي حتى الجنينة.

 

حوار: صابر حامد
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. برضو مافي ليك , وزارة و لا منصب ليك تاني ماااااااااااف , كان عملت لقاءات مع جرايد السودان كلها .

  2. تاجر الدولار واليورو البليد
    سرق منه حرسه كميات كبيرة من الدولار واليورو فذهب وبلغ وفضح نفسه هههههه