عبد الجليل سليمان

ستالين الشيوعي الثري


أوردت قناة روسيا اليوم في منوعاتها الصادرة في الخامس من أغسطس الجاري نقلاً مجلة (تايم) الأميركية، قائمة بـ – من أسمتهم – أغنى عشر شخصيات في تاريخ البشرية.
مثل هذه القوائم ليست غريبة على (تايم)، فقد دأبت على إصدارها دورياً، لكن ما يميز هذه القائمة ويجعل لها (قرنين)، ليست لأنها احتوت دون غيرها على أغنى عشر شخصيات في تاريخ (البشرية) كله، وإنما لأنها أدرجت ضمنها شخصيات لم تكن في الحسبان كـ جنكيز خان (إمبراطور المغول)، وجوزيف ستالين، ومانسا موسى، والأخير عرفته المجلة بأنه حاكم دولة مالي التي كانت أكبر دولة منتجة للذهب في حقبة القرون الوسطى، وأشارت إلى أنه من الصعب جداً حساب ثروته بدقة.
واقع الأمر، لست في شيء ولا (كبير غرض) عن (جنكيز ومانسا)، فـ (لهم دينهم ولي دين). ولكنني أهتم جداً بأمر جوزيف ستالين، الذي وضعته (تايم) خامساً في قائمتها، وقالت عنه إنه كان يسيطر على أكبر اقتصادات العالم، وكانت تحت تصرفه ثروة هائلة، حيث كان الاتحاد السوفيتي في حقبته يحوز على 9.6% من الناتج العالمي الإجمالي. وأشارت إلى أن ثروة الاتحاد السوفيتي لم تكن ملكاً له، لكن كان باستطاعته التصرف في كل القدرة الاقتصادية السوفيتية الهائلة.
حسناً، لكن هل كان (ستالين) ثرياً، وهل تصرف على نحو شخصي في المقدرات الاقتصادية الهائلة للاتحاد السوفيتي؟ هذا ما لم يقل به أحد، وإنما قالوا بأمور أخرى ربما أسوأ من ذلك بكثير، حيث يعرف الجميع كيف استخدم الرجل العنف ضد الفلاحين المعارضين للمزارع الجماعية التي توسع في إنشائها حتى وصلت نسبة 60% من مساحة الأرض، وقام بتصدير القمح واللبن والجبن في حين مات أكثر من مليون طفل من الجوع، لاحقاً اعترف الرجل الفولاذي بأن تطبيق نظام المزارع الجماعية كلف الاتحاد السوفيتي من الأرواح، أكثر مما كلفته الحرب العالمية الثانية، ولم يسلم من عنف ستالين حتى عمال المصانع الكبرى، حيث كان الذي يستقبل من وظيفته يعد هارباً ويعاقب بالعمل لمدة عشر سنوات في معسكر السخرة، وفي عهده كان الأطفال يربون منذ الثالثة من أعمارهم على المبادئ الشيوعية، وأن الدولة هي كل شيء والفرد لا شيء.
لم يكن (الفولاذي) ثرياً ولا فاسداً (مالياً)، لكنه كان ديكتاورياً وفاسداً سياسياً، إذ أن ما عرف لاحقاً بالستالينية يعد من ناحية آيدولوجية – بحسب وجهة نظري – تشويهاً للماركسية التي مناط بها في هذا المستوى أن تمثل أداة لتحليل تناقضات الرأسمالية وموازين القوى بين الطبقات والواقع الموضوعي للمجتمع الانتقالي من الرأسمالية إلى الاشتراكية، من أجل إسناد نضال البروليتاريا التحرري ضمن نظام تداولي (ديمقراطي) ومتعدد، أو أي نظام آخر يؤمن بالمبادئ الأساسية لحرية الإنسان وكرامته، فيما انحرفت الستالينية عن ذلك، وأسست دولة على جماجم الإنسان (المسحوق) الذي جاءت من أجل إسعاده، وهذا بالضبط ما تمارسه الآن (مجاميع) الإسلام السياسي الحاكمة حول العالم، حتى أنني أفكر كثيراً في أن أُسميها بـ (الستالينية الإسلاموية).