أبشر الماحي الصائم

خسرنا القطن ولم نكسب القمح


وصلتني رسالة عبر البريد من القارئة (سوزان حمدي).. وهي تفتأ تنادي بإعادة القمح إلى موطنه الطبيعي التاريخي بشمال السودان، على أن نعيد في المقابل للجزيرة قطنها ومشروعها وسيرتها الأولى.. زيوتها ومحالجها وضجيج مصانعها وألقها القديم و.. و.. و..
* على أن الأزمة – بتصوري، سيدتي سوزان – تكمن في أننا.. دولة وحكومة ونخباً وجماهير.. لم نتحول بعد من جدل ومزاج السياسة إلى جدل ورغبة الإنتاج والزراعة.. ولو تحولنا وأصبحت ورشنا ومنتدياتنا وسائط إعلامنا تدور حول هذه الموضوعات الاستراتيجية، لأمكن وصولنا لكل حلول الزراعة المزمنة.. توقيتاً وتقينة وجغرافية وتخزينا وتسويقاً.. لكننا لا نزال نراوح محطاتنا السياسية.. وفي أخبار صحافة اليوم أن (7+7) الآن بين يدي التطوير إلى (9+9).. بحيث لا يزال ينتظرنا مشوار سياسي طويل (طولا يجنن)!! ولا نملك – والحال هذه – إلا أن نقول لهذا الوطن المبتلى بالسياسة والسياسيين.. (أريتك تبقى طيب انت أنا البي كلو هين).. أن تبقى بيضة الوطن.. وإذا تجاوزنا عمليات توزيع السلطة على مرارتها، يدهشك أن السياسيين والحزبيين والحركات المسلحة يتحدثون عن توزيع ثروة لم يصنعوها بعد، (ولم يدقوا حجر دقشها)!!
* وإلى مضابط الرسالة البريدية:
” الأخ الأستاذ الكريم صاحب عمود ملاذات آمنة.. أنا من المتابعين لمقالاتك الرائعة دوماً، لكن في إحدى مقالاتك الأخيرة، وهو بعنوان: إلى معالي الرئيس البشير.. وجدتك تطالب بزراعة القمح في الجزيرة، وهي السياسة التي ابتدعها البعض دون خبرة ولا دراية بعلوم الزراعة ولا بعلم الجغرافية، فخسرنا القطن عماد اقتصادنا الأول ولم نمزق فاتورة القمح، وقبلها وبسبب التنظير بغير علم خسرنا مشروع الجزيرة نفسه!! سيدي الكريم إن حقائق الجغرافية وعلم المناخ وخصائص التربة هي التي تتحكم في نوع المحصول وفقاً للأقاليم الجغرافية، وهو ما يجعل البلاد الباردة هي التي تنتج القمح بكميات كبيرة كما في روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، وحتى في أستراليا المشهورة بحرارتها المرتفعة يزرع فقط في الأماكن الباردة.. وهكذا فإن الجغرافيا هي التي تتحكم في مكان ونوع زراعة المحاصيل، وهو أمر رباني وحكمة إلهية.. حتى يتبادل البشر المنفعة، فنجد كوبا مثلاً تشتهر بإنتاج السكر والحبشة بالبن وكينيا بالشاي و.. و..
الأستاذ الكريم، أرجو بأقلاكم وكتاباتكم أن ترسخوا لأدب التخصصية، على أن نضع اعتباراً للظروف المناخية المتباينة ومن ثم نضمن النجاح وتمزيق الفواتير.. فلتكن سنابل القمح في موطنها في الشمال ولتوفر لها كل المعينات ولتشق الترع من سد مروي التي لم تشق حتى الآن لأسباب مجهولة!! وليعيدوا للجزيرة قطنها طويل وقصير التيلة ولتعد المحالج ومصانع النسيج التي توفر فرص عمالة كبيرة.. ولتعد مصانع زيوت بذرة القطن والأمباز العلف المهم.. عندها فقط سوف نمزق كل الفواتير.. نشكر لكم طرقكم المتواصل على هذا الموضوع الحيوي المهم..
* من المحرر.. نسأل الله تعالى أن يهيئ لنا أمر رشد يعز به الزرع والضرع والدين.. لأنه في البدء كان العجين.. والله ولي التوفيق ..