تحقيقات وتقارير

لماذا تجاوزت الخرطوم التهديدات وعرجت لخطاب الوساطة الضمانات مع كمبالا؟ لغة مغايرة


يراوح ملف العلاقات بين الخرطوم وكمبالا مكانه عندما يتعلق الأمر بالتوترات. تقذف الأولى بورقة دبلوماسية في بريد الرئيس اليوغندي، عبر وزير الخارجية إبراهيم غندور. رسالة رئيس الجمهورية عبر مبعوثه تجاوزت في مضمونها العداء القديم المستفحل بين البلدين، وبين يدي التعقيدات الماثلة تنتظر دورا من الرئيس يوري لإقناع الحركات المتمردة بالمشاركة في الحوار الوطني.
خرطوم غندور طبيب الأسنان الحاذق تحاول هذه المرة (خلع أنياب) الاتهامات المتبادلة مع كمبالا بالاستمرار في دعم وإيواء الحركات، والانتقال إلى لغة مغايرة تخيرت لها عبارات دبلوماسية انتقلت من المواجهة والمطالبات الدائمة بطرد الحركات إلى إقناعها، ودور تنتظره الخرطوم من موسيفيني لحمل هذه المجموعات على المشاركة في الحوار الوطني باعتبار أن بلاده تؤوي بعضها.
تتخير الخرطوم المناسبات لإرسال رسائلها، فقد جاءت رسالة البشير بين يدي غيابه عن المشاركة في مؤتمر للنظر في مشكلة أزمة جنوب السودان انعقد أمس الأول (الاثنين) في يوغندا بمشاركة إثيوبيا وكينيا والسودان، حيث يشارك وزير خارجيته بالإنابة عنه.
وبين يدي الرسالة أيضاً تنفتح أقواس التساؤلات حول استجابة كمبالا، فثمة تاريخ طويل من الفشل في إصلاح العلاقات بين البلدين، ما يشي بأن السودان لا ينتظر منها تحقيق نتائج مع مواقف مسبقة خبرتها الخرطوم من موسيفيني وحدد فيها الرجل علاقته بالحركات المتمردة ووفر لها من الدعم ما يحمي نفوذ يوغندا في المنطقة ويحقق استراتيجيتها ومصالحها خاصة في التوغل نحو جنوب السودان بالاستفادة من تلك القوات.
كل هذا ربما جعل السفير السابق بوزارة الخارجية الرشيد أبو شامة يعتبر الرسالة مجرد تصرف وخطوة دبلوماسية وحسن نوايا من السودان ويصب في اتجاه المجاملات الدبلوماسية لتخفيف غياب البشير عن المشاركة في المؤتمر، ولكن دون أن ينتظر منه مردودا في تنفيذ طلب الخرطوم.
أبوشامة يمضي أبعد من ذلك في حديثه مع (اليوم التالي) حين توقع ألا يعمل موسيفيني بنصيحة البشير وطلبه بحث الحركات على اللحاق بالحوار لأن الرسالة لم تنتقل من كونها محض مقتضيات للعمل الدبلوماسي، ويجب ألا تنتظر منها الخرطوم نتائج. وقال إن موسيفيني يعمل بما يحقق مصالحه ومصالح تتمثل في التعاون مع سلفاكير ضد مشار بتوفير قوات برية وجوية اجتاحت الجنوب خلال الفترة الماضية واستحوذت على كل موارده وفتحت تجارة معه ووفرت لتلك الحركات المأوى والامداد والاتصالات والخطط والمؤامرات ضد السودان.
ويلفت الرجل إلى أن يوغندا تعتبر السودان أكبر عدو لها لذلك تساعد الحركات في توفير السلاح، كما أنها تعتبر السودان أكبر منافس لها في قيادة المنطقة وهو بلد مسلم عربي وهذا يتعارض مع مصالح يوغندا وإسرائيل التي تنفذ لها كمبالا مصالحها في المنطقة ويقفون كلهم ضد الدولة المسلمة والعربية.
ولكن يبقى التساؤل عن تبدل وتغير مواقف الخرطوم في دعوة يوغندا لحث الحركات المتمردة، وهي التي ما انفكت تطلق عبارات التحدي والتهديدات والشكاوى المتكررة لكمبالا في مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن الأفريقي في عهد الوزير السابق علي كرتي، فلماذا تجاوزت الخرطوم التهديدات هذه المرة للغة الضمانات وتمكين الحركات المسلحة من المشاركة في الحوار داخل السودان؟
يرى السفير كرمنو سفير السودان السابق لدى يوغندا، أنه لا بديل للخرطوم إلا موسيفيني لأن الحركات المتمردة تتخذ من أراضيه مواقع لها وبمقدوره هو فقط التأثير عليها للدخول في حوار أو غيره. الاتجاه الذي سار فيه السفير كرمنو اختلف معه فيه السفير أبو شامة حين قال إن يوغندا غير مجبرة على حث الحركات للدخول في الحوار بقدر ما أنها تستغلها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.
كرمنو وهو يتحدث لـ(اليوم التالي) رأى أن الحركات المتمردة لا يمكن أن تغادر يوغندا إذا لم يكن موسيفيني راضيا عنها حتى وإن وفرت لها الخرطوم ضمانات، لأنها ـ بحسب تقديرات الرجل ـ يمكن أن تخسر صديقا وتقع في مشكلة عدم وجود مأوى، الرجل شدد على عدم الإفراط في التفاؤل بأن تكون للرسالة نتائج، وذلك بسبب علاقة يوغندا ومصالحها مع الجنوب ومعاداة للسودان الشمالي المسلم لمخاوف يوغندية من تصدير الثورة الإسلامية لبلد به أكثر من 10 ملايين مسلم، كما أن السودان عند الجنوب ويوغندا داعم لرياك مشار ضد سلفاكير ما يجعل السودان يقدم دعمه لمشار كرهاً لموسيفيني وليس سلفاكير.

اليوم التالي