الصادق الرزيقي

دارفور الجديدة..


> ليس المقصود بهذا العنوان تلك الصحيفة الناجحة التي صدرت مطلع التسعينيات، وكان يرأس تحريرها زميلنا وأخينا الأستاذ محمد الفاتح رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم) الحالية، وسقى الله تلك الأيام وحياها الغمام.. لكن المقصود هو الحقيقة الشاخصة والبائنة التي لابد من التحدث عنها بقوة، وهي أن دارفورالآن في ولاياتها الخمس، تتعافى رويداً رويداً، وتكاد الحرب تضع أوزارها وتلفظ أنفاسها الأخيرة، برغم وجود تفلتات محدودة هنا وهناك،وانتشار للسلاح بين أيدي مجموعات كثيرة وجائحة، الصراع القبلي وهو أشد فتكاً بالناس من حركات التمرد، لكن مع ذلك تتعافى دارفور اليوم من داء الحركات والتدخلات الخارجية، وهي تسعى لتوظيف من يحملون السلاح لخدمة الأجندات الأجنبية.
> لقد انحسر التمرد، وسئم المواطنون الحرب، وبات صوت السلام والدعوة إليه أقوى من أي شيء آخر، ولم يعُد هناك إلا القليل من الناس يردد في يأس شعارات وأدبيات التمرد السابقة، فقد بهتت العبارات وشاخت الشعارات وماتت دعاوى التمرد، وتلاشى ضجيجه في الفلوات والوديان والجبال، وصار الكل يبحث عن السلام والطمأنينة والتنمية والخدمات..
> كما قلنا بالأمس، هناك وهم كبير وأكذوبة مضللة يرافقها تضخيم للهواجس الأمنية لدى الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية السابقة، وربما الحالية، يجب أن تُصحح الصورة وتُستجلى، فالكثير من المناطق في ولايات دارفور باتت خالية من المتمردين، وكثير أو جُل الحركات قد انتهت، إما بالانهيار كما حدث لحركة العدل والمساواة، أو بتخلي الناس عنها مثل حركة مني أركو مناوي وحركة عبدالواحد محمد نور التي ضعف صوتها داخل معسكرات النازحين، إلا ببضعها في ولايتي وسط وغرب دارفور.. وحدث تحول كبير لبعض الحركات باختيارها خيار السلام واللحاق بركبه كما هو كائن ويجري اليوم، ولم تعد الحركات وحمل السلاح كفكرة وممارسة عملية جاذبة للشباب، تناقص المورد البشري للحركات واضمحلاله للغاية، وهناك عزوف كبير من الانضمام لصفوفها، وانكشف زيفها وتضليلها للمواطنين الذين انسلخت سنوات من أعمارهم ولا نتيجة ملموسة للحرب سوى الخراب والدمار.
> ومن هنا لابد من حث ودعوة الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية إلى اغتنام الفرصة وتثبيت دعائم السلام على الأرض واستثمار هذه السانحة لبسط هيبة الدولة وسلطتها في كل مناطق دارفور، وإعادة توزيع القوات ونشرها لتوطيد داعائم الأمن، والعمل على تنزيل السلطات المحلية إلى الأرض في كل المناطق التي لم يكن يتواجد فيها معتمدو بعض المحليات وإداراتهم والأجهزة السياسية والتنفيذية المختلفة، لقد لاحت فرصة كبيرة لجعل المواطن يحس إحساساً كاملاً بأن السلام عاد وولى التمرد بلا رجعة، فكل ولاة دارفور الخمس وقياداتها السياسية والأهلية والشعبية وزعاماتها يتحدثون عن هذه الأمور بشكل واضح، وتؤكد السلطة الإقليمية ذات الشيء ويصدق الواقع المعاش وأقوال المواطنين هذه الحقيقة، فقط توجد مجموعات متفلتة هدفها النهب والسرقة، تمارس جرائمها في نطاقات وأُطر محدودة، لكن التمرد المنظم بأهدافه وشعاراته السياسية لا وجود له الآن، فهل تلتقط الحكومة ومؤسساتها العسكرية والأمنية هذه الفرص وتضع إستراتيجية وخطة مُحكمة لإنهاء التمرد بشكل كامل، ومن ثم وضع حد للنزاعات القبلية والتفكير بعمق في طرق عملية لجمع السلاح من أيدي المواطنين لتجفيفه وحصر حمله على النظاميين الرسميين فقط..؟
> كثير من التضليل كان يمارس على الحكومة، والكثير من التقارير الكاذبة التي تعدها بعثة اليوناميد يوجد من يسمع لها، لكن الحقيقة غير ذلك، فحركة المواطنين وتنقلهم بين أرجاء الولايات الخمس، أفضل بكثير عما سبق، حركة التجارة والرعاة والمزارعين تزايدت وتكاثفت خلال الفترة الماضية لم تتوقف في كل الربوع، وساعد خبو نار التمرد على توسعها وانتشارها، المدارس في الأرياف البعيدة والمحليات القصية والمناطق الموبوءة بنشاطات التمرد والمتفلتين تعمل بهمة ونشاط، وهناك إقبال كبير على التعليم، وزاد عدد التلاميذ في المدارس ومؤسسات التعليم، وهناك رغبات لدى بعض قاطني المعسكرات للرجوع إلى مناطقهم وبعضهم يريد الاستقرار حيث هو للانخراط في سُبل كسب عيش جديدة وجدها في المدن الحواضر.. فالكل يريد بدايات جديدة وحياة مختلفة..
> ما نريده من الحكومة في مستوياتها الاتحادي والولائي والمحلي، العمل الجاد وبسرعة لتطبيع الحياة والحيلولة دون إحياء التمرد مرة أخرى، وذلك عبر خطط وبرامج تنموية وخدمية وسياسية وأمنية واضحة وبأساليب جديدة. فالمناخ ملائم والأجواء تعبق بعبير السلام وأرضية الاستقرار تبدو صلبة وثابتة، وليس من رأى كمن سمع..


تعليق واحد

  1. خلاص ي بطل اجمعو السلاح الاديتوه للجنجويد والسلاح من موسي هلال وحميدتي وخلو جهاز الامن اتفرغ لي عملو الاساسي ومبروك السلام بس لما تجمعوا السلاح من ناس هلال كلمونا