الطيب مصطفى

حول غُلُو الشباب.. وتجربة المراجعات


يتناول الدكتور عصام أحمد البشير ظاهرة الغُلُو الذي أصاب الشباب في بلد عرف أهله بالتسامح ويحتكم للشريعة الإسلامية. كما يتناول “تجربة المراجعات” وهل هي أصابت البنى الأساسية لفكر التّطرف والغلو؟، حيث يقول: في تربة عُرفت بالتسامح كالتربة السودانية وبلد عرف عن أهله التسامح، وبلاد ترفع شعار الإسلام وتحكيم الشريعة الإسلامية يستغرب إنبات هذه الظاهرة؟
العالم انفتح على بعضه، وبعض هؤلاء الشباب أصيب بالغلو نتيجة التواصل مع مواقع من “أبو فلان، وأبو فلان”.. بعضهم يريد أن يذهب إلى الصومال أو العراق أو مالي، باعتبار ذلك أقرب طريق إلى الجنة، فبعضهم لا يصوب القضية للواقع، وبعضهم يرى اختلالات مثل أن الدولة ترفع راية الشريعة ولكن على أرض الواقع عندها اختلالات كثيرة. والأخير يتحاور معه في أشياء قد تكون صحيحة في تفكيره تنصح وتنبه فيها الدولة لتصحح أخطاءها، ولكن ما دام في الدولة الأخطاء على مستوى السلوك لا الاعتقاد فباب المناصحة مفتوح، والمنابر مفتوحة. الإنسان ينصح ويقول ما يشاء، والصحف في اليوم التالي تأتي بما يقوله الأئمة والخطباء نصيحة واستدراكاً على مواقف الدولة.. إذن الأمر فيه سعة.
تجربة المراجعات
جرى ما عرف بالمراجعات داخل هذه المجموعات، بحكم متابعتك كيف تنظر لحجم هذه المراجعات؟ وهل أصابت البنى الأساسية لفكر التطرُّف والغُلُو؟
في تجربة مصر المراجعات كانت عميقة، وأصابت البنية الفكرية والجذور الأصولية لهذا التفكير، سيما أن الكتابات التي برزت تناولت الظاهرة بعمق، وتناولت الشبهات وردت عليها رداً علمياً، وليس صحيحاً ما يقال إن هؤلاء ونتيجة ضغط عليهم في السجون تراجع هؤلاء الشباب، وإنما رجعوا عن قناعة تامة وجرى بينهم من الحوار الداخلي ما أقنعهم.
لذلك فإن تعميم هذه المراجعات على الشباب في إطار صحي معافى يمكن أن يقودهم إلى الكثير. بل يجب دعوة أمثال هؤلاء الذين حصلت لهم المراجعات وجعلهم يتحاورون مع هؤلاء الشباب، فإنهم أقدر على معرفة المداخل إليهم.. فلو دعونا مثل هؤلاء الشباب من مصر وغيرها وتركناهم يحاورون هؤلاء الشباب فإننا سنخلق قدراً من اللغة المشتركة التي تعين على تصحيح كثير من الأفكار.
هنالك تخوّف من أن تفضي أوضاع بعض البلدان (مصر نموذجاً) الى نشوء هذه التيارات وتعميق مواقفهم المتطرفة سيما بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي؟
أتفق معك. فقد اعتبرنا الربيع الذي جاء بطريقة سلمية أعطى انطباعاً بأن النهج السلمي هو الأفضل، ولكن هذا التقويض لجهود الإسلاميين ومحاولة خنقهم هذا الخنق هو الذي سيفجر الأوضاع ويجعل المناخ مناسباً لتنبت هذه الأفكار من جديد وتجد مسارها ويقتنعوا بأنه ليس من سبيل لمقاومة هذه الأنظمة والمخالفات إلا عبر هذا الطريق.
ما يحدث في مصر الآن كارثة ومأساة بكل المعايير، ونخشى أن تنزلق إلى حرب أهلية، وهؤلاء مسالمون خرجوا ليعبروا عن حقوق شرعية اكتسبت عن طريق صندوق الاقتراع والتزموا بقاعدة الديمقراطية، وجاء دستورهم بثلثي الأصوات، ومع ذلك لم تحترم هذه الديمقراطية، أخذوا شريحة في ميدان وتركوا شريحة أخرى قالوا هي تعبّر عن شرعية أخرى وكان يمكن الاحتكام إلى أداة دستورية، ثم جاءت الطامة الكبرى التي عبر عنها وزير الدفاع (المصري المشير عبد الفتاح السيسي) بموقف لا يمكن أن يكون مقبولاً بحال من الأحوال ونخشى أن يكون هذا السلوك مدعاة لتفجير العنف مرة أخرى بعد أن ضمر في كثير من الجوانب.. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنب بلاد المسلمين الفتن، وأن يحقن الدماء، ويعيد الجميع إلى رشد الوسطية والاعتدال.
الواقع محبط.. الصومال غارقة في الحروبات، ونخشى أن تنجر مصر ذاتها إلى احتراب أهلي واقتتال طائفي فإلى أي مدى يمكن لهذا الواقع أن يكون مساعداً عملياً لتيارات التّطرُّف؟
هذا هو الإشكال، حالة الإحباط العامة، وعدم وجود الإرادة السياسية لدى كثير من الأنظمة وكثير منها ليست موصولة لا بحبل من الله ولا بحبل من الناس، وعدم الوصل هو الذي سبب هذه الأوضاع، ولذلك الأمة محتاجة إلى حكماء وعلماء وأهل رشد.. إلى أمثال نيلسون مانديلا وعبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، وحكماء يقودون الأمة برُشد لا يكون فيه إقصاء لأحد، ومادام الإنسان قد ارتضى النهج السلمي ونبذ العنف فهو شريك أصيل. ضمن هذه الشراكة الأصيلة ينبغي أن ننزل عند منطق السفينة إذا حدث فيها خرق ينبغي أن نتداعى لسدِه، وإلا هلكنا جميعاً.