تحقيقات وتقارير

سودنة العمل الطوعي.. ألم يأن الوقت؟!


كشفت الحكومة السودانية عن جروح عميقة، وندوب طويلة، رسمت في جسد أمنها القومي من قبيل منظمات أجنبية تصل إلى البلاد لتأدية مهام خاصة بالعمل الطوعي والإنساني فينتهي بها المطاف لممارسات تضع البلاد برمتها في عين العاصفة وبالطبع نعني هنا اتهامات التجسس والتخابر على نحو خاص.

يقول رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، د. مصطفى عثمان إسماعيل، إن البلاد تأذت كثيراً من الأجندة المخباة في طيات العمل الطوعي، ولا يرى من أفق للحل سوى بـ (سودنة العمل الطوعي).

حديث الدفاتر

تمتلك الحكومة السودانية سجلاً حافلاً مع المنظمات الأجنبية، حيث خرج بعضها من كامل الملعب بالكرت الأحمر، فيما ظل الكرت الأصفر مشهوراً في وجه أخريات حاولت الخروج من التفويض الممنوح لمناطق تعدها الخرطوم حكراً للأهالي، ولا تحب أن يتم تخطيها البتة.

وتشي أحاديث د. مصطفى إسماعيل الذي أمسك في فترة سابقة بحقيبة الخارجية، تشي بأن جهود الحكومة المبذولة في تنظيم العمل الطوعي على كثرتها لم تجعل البنيان يصل يوماً إلى تمامه.

وتخضع المنظمات الأجنبية عادة لقانون العمل الطوعي والإنساني الذي تشرف عليه مفوضية، تشترط التسجيل، وتضع لائحة هادية لمن أراد أن يقدم الغوث ويد العون للسودانيين لا سيما في مناطق النزاعات.

لكن بعض المنظمات تشكو من التعاطي السوداني معها، وتقول إنه دوماً ما يكون محفوفاً بالشكوك. فيما تنظر للاشتراطات الكثيرة على أنها محاولات جدية لتقييد أنشطتهم وتوجيهها في مناحٍ معينة.

مهمة صعبة

غضَ الطرف عما صنع الحداد بين الحكومة والمنظمات الأجنبية، فإن منظمات طوعية سودانية بإمكانيات عالية وقدرات ضخمة على تغطية الجوانب لا سيما الإنساني منها؛ لهو أمر كافٍ لإنهاء الجدالات الكثيفة والمحتدمة بين الداخل والخارج.

بيد أن أطروحة سودنة العمل الطوعي الإنساني لا تبدو بذات سهولة رصها في جملة. فهناك حاجة ملحة لكوادر بقدرات عالية في كل مستويات المنظمات الأهلية.

هنا لا غرو أن بعض الكوادر السودانية على درجة عالية من التأهيل، كذلك فقد أسهم إلزام المنظمات الأجنبية بتعيين وتدريب نسبة من المواطنين في إنتاج كوادر ذات دربة عالية، ولكن الفعالية تتطلب اندياح تلك المعرفة المكتسبة خلال سنوات لأولئك المنتظمين في سلك العمل الطوعي.

حجر عثرة

تشكل الإمكانيات حجر عثرة أمام قيام منظمات وطنية فاعلة، فبوقتٍ تمتلك المنظمات الدولية لا سيما العاملة تحت عباءة الأمم المتحدة إمكانيات مهولة فإن بعض المنظمات الأهلية وإن امتلكت الخطط الطموحة فإنها لا تملك الرساميل الكافية لتنزيلها في أرض الواقع، ولذلك فإن الرؤية الهجين بشراكة المنظمات الدولية والطوعية قد تحقق كثيراً من هذه الخطط، وغير قليل مما هو مأمول.

توافر الجدية

تمثل الجدية عاملاً فارقاً في قوة المنظمات الأجنبية عند مقارنتها بالوطنية. جميعنا سمع بمنظمات (الشنطة) وهي تلك المنظمات التي لا توجد على الواقع ويقتصر وجودها على أوراق تأسيس وتسجيل وخاتم يحمله أحدهم في حقيبة محققاً بذلك ثروات طائلة.

لكن ذلك أمر يمكن أن يتم تجاوزه بالتشديد في تسجيل المنظمات، والعمل على تشبيك وادماج المنظمات ذات البرامج المشتركة في كيانات كبرى، ما يضاعف قوتها مرات ومرات.

ملائكة وشياطين

علّ أكثر النقاط التي تقعد بالعمل الطوعي في السودان، تتعلق بعملية التسييس وقياس المسافة من الحكومة قرباً وبعداً. بالتالي تظهر نعوت الملائكة والشياطين للمشتغلين في المجالات الطوعية بكثافة، فإما يتم إلحاقهم بالحزب الحاكم أو بالأحزاب السياسية المعارضة.

لكن كما أن العمل الطوعي المحمول على عاتق قادمين من الخارج عرضة لأن يكون مخلوطًا ببعض أجندات، فإن العمل الطوعي الوطني قد تخالطه سياسة، ولكن لا بد من إدارة راشدة تستفيد من خبرات وقدرات منظمات الخارج، وتملك قدرة على إدارة منظمات الوطن على ان يكون الأخير هو الغاية والمبتغى.

الصيحة