الطاهر ساتي

تأشيرة إبتلاع ..!!


:: مثلث برمودا بالمحيط الأطلسي، المكان الاكثر رعبا في العالم، يسمى – ايضا – بمثلث الشيطان..وكثيرة هي الأساطير والحقائق المرعبة التي تحكى عن هذه المنطقة المرعبة، ومع ذلك لم تُكتشف تكنلوجيا الغرب أسرارها وخفاياها..( نحن ندخل مياه بيضاء، لا شئ يبدو جيداً، نحن لا نعرف أين نحن، فالمياه أصبحت خضراء، لا بيضاء)، هكذا سجل الصندوق الأسود وصف القاع على لسان كابتن إحدى الطائرات الأمريكية التي إبتلعها المثلث في العام 1950.. ومن واقع الحال، لو كان لمثلث الرُعب هذا سفارة في بلادنا، لتماوجت أمامها الصفوف الطالبة ل ( تأشيرة الإبتلاع)..!!
:: فالأرقام التي خرجت – لما تبقى من الشعب – بعد زيارة النائب الأول لرئيس الجمهورية لبعض (منافذ المخارجة)، كانت أرقام مدهشة للغاية.. ولو لم تصدر تلك الأرقام من مصادرها الأصيلة لما صدقتها الصحافة ونشرتها .. يومياً، حسب إحصاء وزارة الداخلية، (5.000 تأشيرة خروج).. وحسب إحصاء جهاز المغتربين، خلال ثلاثة أيام فقط لاغير، (12.000 تأشيرة خروج)..أما طلبات جوازات السفر، فالزحام في كل المواقع يعكس بوضوح أن البقاء في بلادنا سيكون فقط من نصيب السادة بمجلس الوزراء والبرلمان و.. ربما الولاة ..!!
:: نعم، في زحام هذه الهجرة، فالبحث عن فرص العمل وتحسين الوضع الإقتصادي قد يشكل (النسبة الأعلى)..ولكن ثم ماذا؟، أي ما هي الأسباب الأخرى ؟..فالطوفان لم يعد يشمل فقط الشاب الباحث عن فرص العمل، ولا فقط ذوي الدخل المحدود الساعي لتحسين الدخل، ولا فقط الباحث عن الثراء..ولكن، وهذا ما يستدعي التوقف عنده، تجد في طوفان الهجرة من ليس بحاجة إلى ( مال أو عمل)..وعلى سبيل المثال فقط، من المعارف، خلال الأسابيع الفائتة، الإختصاصي الذي أغلق عيادته الخاصة التي يتجاوز عائدها اليومي (2000 جنيه)، ثم غادر إلى الخليج..والفريق الحائز على الدكتوراة والذي كان يحاضر بجامعة عريقة، ورغم كل هذا، شدً الرحال إلى الخليج .. وهكذا..!!
:: فالسوداني – إلى وقت قريب – كان يغترب (شابا)، ثم يعود إلى وطنه ويستقر مع أهله قبل (سن الشيخوخة)، ويكون قد عاد بحصاد يؤمن مستقبل أسرته.. وكان يغترب ( خريجا)، ثم يعود خبيراً نافعا للناس والبلد بخبراته وتجاربه..ولكن في طوفان اليوم، تجد أرباب المعاش يتقدمون الصفوف ويزاحمون الشباب في (صالات المغادرة) ..وتجد الأثرياء يزاحمون الفقراء في طلبات (تأشيرة الخروج).. وتجد الخبراء يتراصون أمام ( منافذ المخارجة).. وعليه، مع إستثناء الشباب الباحث عن فرص العمل، فالحالة النفسية التي تسيطر على كل قطاعات الشعب تتجلى بوضوح في (طوفان الهجرة)..!!
:: فالظاهرة لا تعكس فقط الوضع الإقتصادي ..بل هي ظاهرة تعكس (حالة نفسية).. وظروفها ومناخها أقرب إلى ظروف ومناخ (الهجرة القسرية) التي تفرضها الحروب والكوارث الطبيعية ..هي هجرة مردها (الإكتئاب العام) و (الإحباط العام) و(التوجس العام) وفقدان الأمل في المستقبل..فالكل – الفقراء و الأثرياء، والعامل و العاطل – عاجز عن التكييف مع هذا (المناخ الطارد)، ولذلك إتخذوا الهجرة ملاذاً آمنا..ومراكز الدراسات أخر من تدرس أمر هذه الظاهرة، أو ربما تقف – هي ذاتها – في صفوف ..(تأشيرة الخروج)..!!