تحقيقات وتقارير

فك احتكار استيراد القمح والدقيق … معركة القمح!!


دون سابق إنذار انفجرت أزمة كانت مكتومة حيناً من الزمن.. (معركة القمح) التي أطلق صافرتها وزير المالية قبل أربعة أيام.. وبدأت تداعياتها تتدحرج مثل كرة الثلج. سلعة سياسية.. القمح ليس مجرد طعام (عالمي) يعتمد عليه غالبية سكان كوكب الأرض في البقاء على قيد الحياة، بل هو (سلاح سياسي) من الدرجة الأولى قابل للاستخدام عند الطلب لتقييد أو تحييد إرادة بعض الدول الناشزة. وفي السودان تدرك الحكومة جيداً خطورة أي شح في هذه السلعة، فالقمح ليس مجرد سلعة قابلة للاستعاضة عنها ببدائل إلى حين ميسرة من توفرها.. رغم كون ذلك ممكناً من الناحية العملية.. لكن ارتباطها بالأمن النفسي للمواطن يجعلها أولوية قومية تحرص عليها الحكومة بكل حزم وتضعها نصب عينيها بل وأظافرها. وسجل التاريخ السياسي في مصر مظاهرات 18 و 19 يناير 1977 الشهيرة عندما قفز سعر الخبز قرشاً واحداً. أصل الحكاية. قبل أربعة أيام بالتحديد 15 أغسطس 2015 أعلن وزير المالية بدرالدين محمود (فك احتكار استيراد القمح والدقيق).
وعبارة (فك احتكار) لها صدى شعبي رنان لأنها دائماً في الذهن الجماهيري من معطيات المواجهة بين مصالح عموم الشعب وكبار التجار. ويقصد وزير المالية من هذه العبارة؛ أن استيراد القمح والدقيق لم يعد حصرياً على الثلاث شركات الكبرى وهي مطاحن سيقا التي تملكها مجموعة دال، ومطاحن ويتا، ومطاحن سين الحكومية. ويصبح استيراد القمح والدقيق عبر عطاء تعلنه الحكومة ومفتوح لكل من رغب ليكون (النصيب) لصالح العرض الأفضل. فيصبح السؤال العفوي (ماذا لو لم تحصل المطاحن الكبرى على رخصة لاستيراد حاجتها من القمح) والإجابة هي بالضبط ما يمكن ان نضعه تحت عنوان: (الأزمة) التي تدور رحاها الآن وبشدة بين مجموعة دال التي يترأسها السيد أسامة داؤود، بصفتها الشركة الأكبر في قطاع صناعة وتوزيع الدقيق. من ثقب الباب. من العسير قراءة كف المستقبل القريب في هذا الملف، ليس لأنه مستور خلف (النوايا) التي هي في الصدور فحسب، بل لأن النظرة الشاملة لكل الملعب تشير بكل وضوح إلى نقاط حمراء ترسم المخاطر المحدقة التي قد تواجه الشركات الكبرى العاملة في هذا القطاع، إذا ما أخطأت الحسابات (لم أقل النوايا) الرسمية. فهذه الشركات ليست مجرد مصانع صغيرة قابلة للطي والنشر حسب الظرف.. مثل بقالة صغيرة في الحي يفتحها صاحبها ويغلقها بأريحية الحال المثال أمامه. على سبيل المثال مجموعة دال التي تملك مطاحن سيقا يعمل فيها (8) آلاف. وفق دورة إنتاج بالغة التعقيد تبدأ من أعالي وأسافل البحار من إستراليا إلى كندا و ألمانيا من موردي القمح، ثم السفن النقالة العملاقة التي تبلغ حمولتها (70) ألف طن من القمح. وميناء كامل الدسم في بورتسودان بكل معداته وآلياته الضخمة التي تنقل القمح آليا من جوف السفينة إلى الصوامع مباشرة دون أن تلمسها يد البشر. ثم امتداد العملية داخلياً بنقل القمح عبر شبكة قطارات تمتلكها مجموعة دال صمتت خصيصاً لنقل القمح من الميناء إلى المطاحن في مدينة الخرطوم بحري، حيث تبدأ المرحلة الأكثر تعقيداً في طحن القمح وتعبئة الدقيق وتحميله في مواعين شبكات النقل التي تحمله حتى مواقع الاستهلاك في المخابز أو محلات البيع المباشر الأخرى. هذه العملية الطويلة المعقدة يزيد من تعقيدها كونها لا تقبل التوقف لالتقاط الأنفاس ولو ليوم واحد. فحينما تفرغ الآليات القمح في جوف المطاحن يجب أن تكون هناك كميات أخرى في قادمة السكك الحديدية.. وأخرى في صوامع الميناء وثالثة في سفن في عرض البحر وخامسة في سفن في موانئ الدول مصدر القمح. إدارة هذه المنظومة من التعقيد المفضي لخلل (كارثي) أن تعرضت دائرة العمل لأي طارئ خارج الحسبان. حسابات الحظ السعيد.. قد يكون مقبولاً للمطاحن الكبرى أن يصدر قرار حكومي بإغلاقها نهائيا.. فالأمر حينها يصبح مجرد تحويل استثمار من مجال إلى آخر والأرزاق بيد الله. لكن الأصعب والأخطر أن تكون هذه المطاحن في ظلام دامس تتلمس الطريق وهي لا تدري أين تضع خطوتها القادمة في أرض ثابتة أم بئر عميق.. فالآلية الجديدة التي أعلنتها وزارة المالية – حسب ما قاله أسامة داؤود في لقائه مع رؤساء التحرير أمس- تجعل (الحظ السعيد) وحده هو الذي يوجه خطط العمل والإنتاج. قد تجد المطحن ما تطحنه فتعمل وتدور، وقد لا تجد فتضرس أنيابها بلا طحين. المواجهة.. لماذا سيقا وحدها.. قد يبدو منطقياً السؤال عن الشركتين الأخريين ويتا وسين، لماذا لا ترتسم علامات القلق كما تبدو واضحة في “سيقا”. السؤال محسوب بأقدار السوق، فمطاحن سيقا تنتج الآن (60%) من الدقيق المطحون في السودان. وهي نسبة لا تعكس مجرد الحظوة الإيرادية من هذه الصناعة فحسب، بل تكشف حجم (المخاطر) والخطر قياساً برفيقتيها “ويتا” و”سين” الحكومية التي لا تحظى بأكثر من 15% فقط. الحساب ولد..!! حتى وقت قريب لم تكن الحكومة بحاجة لحشر نفسها في عملية استيراد القمح والدقيق فسعر صرف العُملة السودانية كان مستقراً في حدود 2.9 جنيه للدولار. وكانت المطاحن تحصل بسهولة على حاجتها من العُملة الصعبة لتمويل الاستيراد. لكن بعد خروج غالبية عظمى من عائدات النفط مع انفصال جنوب السودان وتضعضع قيمة الجنيه السوداني باضطراد. بدأت الحكومة في مشوار تسميه (دعم القمح والدقيق)؛ مهمة عسيرة لضبط سعر الخبز في متناول المواطن السوداني الفقير. وانفلت عيار الجنيه حتى عبر الخطوط الآمنة إلى المنطقة الحمراء المحروسة بكل الهواجس والترقب. فماذا فعلت الحكومة!! وزارة المالية أصدرت أمراً عبر بنك السودان المركزي للمصارف التجارية لتحسب المعاملات الخاصة بالقمح بسعر الصرف التجاري العادي. لكن على أن يتحمل بنك السودان دفع الفرق.. أي فرق وكم يبلغ؟ الفرق بين سعر 2.9 جنيهاً للدولار الذي يمنح لمستوردي القمح وحوالي (6) جنيهات للسعر الرسمي للدولار. فيصبح (دولارالقمح) ثابتاً لا يتأثر بأرجوحة الجنيه مقابل الدولار.. ويذهب (الدعم) للمواطن الذي يحصل على الخبز بأقل سعر ممكن. الهمس بالجهر..!! كثير من الهمس كان يحمِّل الشركات المستوردة للقمح وزر هذا الدعم الذي يذهب حقيقة إلى المزارع الإسترالي أو الكندي أو الألماني من حيث تأتي شحنات القمح. ودائماً يُطرح السؤال الاستنكاري.. أما كان الأولى أن توجه الحكومة هذا الدعم مباشرة للمزارع السوداني هنا لتكسب البلاد مرتين. مرة بتثبيت سيد الغذاء في حدود مقبولة ومرة ثانية بدعم المزارع المنتج لتقوية البنية الاستثمارية الزراعية في السودان. يبدو أن وزير المالية بدرالدين محمود حاول أن يكسب الإجابة على هذا السؤال في ميزان حسانته السياسية فقال – حسب المكتب الإعلامي لوزارة المالية (إن الحكومة ستوجه فارق الاستيراد بعد انخفاض الأسعار العالمية للقمح لتشجيع الإنتاج الزراعي وتوطين زراعة وصناعة القمح وتشجيع المنتج ودعم الخدمات الاجتماعية). المواجهة!! لكن في المقابل أسامة داؤود رئيس مجموعة دال يرد الكرة في الاتجاه المعاكس ويقول ( فليرفع الدعم تماماً.. ويترك السوق مفتوحاً على مصراعيه وستكون النتيجة أفضل بكل المقاييس). ربما ما قاله أسامه لا يعكس أمانيه بقدرما يعكس هواجسه. فالمجموعة الاقتصادية الأكبر في السودان والتي فاقت استثماراتها في هذا المجال المليار دولار حتى الآن تستريب في أن أركان الملعب ليست واضحة بما يكفي لتأسيس خطة ومستقبل واضح. فالمؤسسة الاقتصادية العملاقة مثل طائرة عملاقة لا تستطيع الدوران فجأة أو المناورة بلا منظور كاف، كما لا تستطيع الهبوط والإقلاع بخفة طائرة الهيلوكوبتر الصغيرة.. وهو حال المطاحن الصغيرة الأخرى التي ربما لا يقلقها أن عملت يوماً وتوقفت أسبوعاً. الاتهامات!! هل صحيح المطاحن الثلاث تحتكر استيراد القمح بمعادلة (2.9) جنيه للدولار.. الحقيقة تبدو في الجدول المرفق مع هذا التحقيق وفيه تظهر الشركات التي تمتعت بنفس هذا الحق خلال السنوات الماضية. صحيح فارق الكميات كبير مع المطاحن الثلاث الكبيرة.. لكن الجدول (يكسر الاحتكار) قبل قرار (فك الاحتكار) الذي أعلنه وزير المالية. فينشأ سؤال حتمي .. أيضاً لماذا وصف وزير المالية قراره بأنه (فك احتكار استيراد القمح والدقيق).. بينما الواقع لا يثبت وجود الاحتكار من الأصل.. من هنا تبدأ العقدة الكبرى التي أكمل شرحها لكم في الحلقة القادمة..

التيار


‫6 تعليقات

  1. المفروض الدولار المدعوم ياخذه المستورد بعد جلبه للدقيق اوالقمح ليقارن الكميه بالسعر

  2. جعجعة وكلام اجوف احباطي كدأب عثمان مير غني!
    هناك تاجر دق صدره وقال هو ليها وكلنا متعشمين فيهو خير على ضؤ ما سبق وان قدمه لنا.
    على ان هذا ﻻ ينفي حقيقة ان العقوبات اﻻقتصاديه اتت اكلها وان فساد الدوله دمر ماتبقى وتتحمل الحكومة المسئوليه كامله من ناحية انها هي التي جرت علينا كل هذه البلاوي، وكأنها زرعت فينا لتدميرنا تحت قناع اﻻسلام والوطنيه.

  3. التحيه لكم – سله غذاء العــــــالم – عندنا المياه الوفيره ( نيلين بدل نيل و فروعهم و الأمطار و الأراضي الشاسعه وعندنا المزارعين (( فقط حفذوهم و جهزوا لهم المعدات الزراعيه كاملا أن شاء الله تجنوا الثمر الوفير وكلنا يعلم الجيران يحبوا يستثمروا عندنا – لأننا نحن سوف نستنورد من الخارج

  4. هذا الداؤود شبع تماما خلال السنوات الماضيه ( حوالى 15 عاما ) … واستفاد هو من الدعم … الفرق بين السعرين وليس الشعب السودانى … لان الدعم نفسه خصما على الشعب السودانى وهو دعم قروشه من وزارة المالية ( وزارة الشعب السودانى) … بلا سيقا بلا ليقا … داير يستورد زيو زى غيرو … والمويه ( سعر البيع للشعب الفضل ) تكضب الغطاس …

  5. اسمع كلامك اصدقك اشوف عمايلك استغرب زكلام اسامة داوود يبدو منطقى لكن لمن نشوف احتكاره للقمح والدقيق والالبان نستغرب لانه الاحتكار دا سياسة يهودية هى والربا لتحقيق الارباح الكثيرة والسريعة ويقع عبء الغلاء على المواطن المسكين والمشاهد للشركات الوطنية التى يتحدث عنها فليس هنالك شركات وطنية ولارا سمالية وطنية ,دا كان زمان زمن ناس ابو العلا والشيخ مصطفى الامين والنفيدى وغيرهم من الراسماليين الذين اختفوا من السوق مع دخول الراسماليين الاسلاميين الذين احتكروا السوق وظهر بعد ذالك الراسمالية الطفيلية والانتهازيين الذين استغلوا بعد المسؤوليين وحققوا معهم بعض المكاسب ويمكن حساب اسامة داوود ضمن هذه الفئة خاصة اذا نظرنا الى علاقاته مع الخضر وقبل ذلك مع المتعافى وكذلك لاستئجاره لمشاريع ضباط القوات المسلحة بمبلغ ضئيل للغاية 10 فدان مروى طل العام مؤجر ب 1200 جنيه فى العام فهذا قمة الانتهازية. اما فيم يختص باستيراد القمح والدقيق فليت السيد وزير المالية يتبنى مشروع ناكل مما نزرع يتم من خلاله زراعة جل اراضى الشمالية بالشراكة مع الدول العربية لتوفير القمح لكل الامة العربية

  6. قبل القرار لم يكون هنالك احنكار بل هنالك استثمارات كبيره فى مجال استيراد وتصنيع منتجات القمح–انا امتلك الدليل(احصائيات لواردات القمح تقريبا من 89 حتى اليوم)تلك الاحصائيه تبين ان هنالك العديد من الشركات تستورد القمح غير الشركات العملاقه الثلاث(سيقا–ويتا–سين)–تلك الاحصائات تبين ان الشركات الثلاث تستورد القمح عالى الجوده من استراليا وكندا وغيرها–تختار الشركات الثلاثه مواعين البحر الجيده لاستيؤاد القمح–تقوم تلك الشركات بفحص القمح المستورد ةتبخيره من موانئ الشحن–استثمارات الصوامع وادوات التفريغ بملايين الدولارات وتلك معايير منافسه للشركات الصغيره الاخرى–جودة منتج الشركات الثلاث انست الشعب السودانى (الهريته)-

    اتمنى ان تكون التعليقات هادفه ومنطقيه-