تحقيقات وتقارير

حارسة القبور.. حكاية أغرب من الخيال..!!


بمحض الصدفة خلال إحدى الجلسات الأسرية سمعت إحدى الصديقات تحكي عن امرأة توجد باستمرار في المقابر ( مقابر ناصر) ، وتهتم بها وهي ليس بخفير، بل تعمل ذلك من أجل الخير والمساهمة في حفظ حرمة الموتى وتكريمهم ، فشدني ذلك الحوار المثير إلى تلك السيدة ورغبت في معرفة المزيد عنها حتى أتأكد من صحة المعلومة، وأنقل حكايتها للقراء ، فبدأت رحلتي الاستقصائية للبحث عن حارسة القبور والالتقاء بها .
داخل المقابر
رغم طول المسافة ومشقة المواصلات توصلت إلى منطقتها بالجريف التي ولدت وعاشت فيها.. وصلت إلى منطقتها وبدأت رحلة السؤال عن سكن خفيرة تلازم المقابر تدعى ريا ناصر.
محطتي الاولى التي رأيت أن أبدأ بها هي المقابر للبحث عنها بين قبور الموتى في تلك الناحية أو تلك ، لكنني لم أجدها حتى رآني رجل من بعيد وجاء إليَّ فسألني : عمّن تبحثين في هذا المكان ؟ فأجبته بأني أبحث عن الخالة ريا التي تأتي إلى هنا وتعتني بهذه المقابر ، فقال لي: خرجت منذ قليل بعد أن قامت بتنظيف المقابر ، وقامت بسقاية الأشجار، واشار عليّ أن أسال صاحب الدكان القريب من المقابر في ناحيتها الجنوبية ، وقال لي إنه سيدلني على الطريق وعلى مكان منزلها، فهي مشهورة ومعروفة بين الجميع.
ذهبت إلى صاحب الدكان وسألته إذا كان يعرف مكان بيتها حتى يصف لي الطريق، وبينما أنا ذاهبة في طريقي قابلت بعض الأشخاص مجتمعين في ظل شجرة سألتهم للمرة الثانية وفعلاً وصفوا لي منزلها، وقالوا لي: اطرقي ذلك الباب الأزرق.
مع ريا وجها لوجه
وصلت الى الباب الازرق وقمت بطرقه ولم تمرّ سوى لحظات حتى جاءتني امرأة في وسط العمر تبدو عليها ملامح الإرهاق والتعب، فقلت لها: أنا الصحفية التي اتصلت بكم وأريد الحاجة ريا، فقالت لي: أنا الحاجة ريا ودعتني للدخول بقولها ” اتفضلي.. أنتِي وصلتي” .. دخلت إلى بيتها وعاملتني بكرم شديد وضعت أمامي كوب عصير ثم خرجت لبرهة من الوقت وجاءتني بالفطور، وأرادت أن تعدّ لي الشاي، ، عندها خرجنا من منزلها إلى المقابر حتى تروي لي حكايتها بين القبور .
حكاية
وبينما أنا وهي نسير في طريقنا إلى المقابر بدأت الحاجة ريا تسرد لي كيف أصبحت حارسة للمقبرة وكيف تعايشت مع هذا الأمر وكيف بدأته وهي تقول لي: برغم معاناتي الطويلة مع المرض فأنا كنت مصابة بسرطان الثدي وأجريت عملية منذ 12 سنة برغم ذلك أحمد الله على الصحة التي أعطاني إياها فأنا أقوم كل يوم منذ سنوات من الساعة السابعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً لنظافة المقبرة وترميمها وأعتني بها حتى أقمت السور وقالت إن بعض أصحاب الخير وقفوا معها وأضافت قائلة : ( لم تقم أي جمعية أو لجنة شعبية بدعمي مع أن المقبرة تحتاج لأعمال كثيرة من بناء سور ونظافة وحارس لها يرعاها ، رأيت المقابر أصبحت خرابة – لا لأنها تخص اسرتي وعشيرتي منذ 30 سنة ولكن لأن الأمر يتعلق بكرامة الموتى ..
الأسرة والمقبرة
سألتها عن علاقة اسرتها بهذه المقبرة فقالت : ( والدي حجز تلك المقابر من أرضه حتى وصفه البعض بالجنون ، وفعلا جعلها لتكون مقبرة للجميع وتبلغ مساحتها أكثر من أربعة فدادين وبالرغم من أن مساحتها واسعة وشاسعة إلا أنني لا أشعر بالتعب عندما أعتني بها وأشرف على كل الأمور من جير أو بوهية للسور.. خلال سنوات طويلة أصبحت مرتبطة بها لا أستطيع أن أغيب عنها يوماً، حتى الناس عرفوني بحارسة القبور، وأحياناً أقوم في الليل بمراقبتها، لأن منزلي قريب منها وتفصلني عنها فقط بعض الأمتار ، ولن أتخلى عنها حتى أموت.
رجل هرم
تقول الحاجة ريا : في يوم من الأيام رآني رجل هرم من بعيد فجاء قادماً نحوي وسلم علي فرددت عليه السلام فطلب مني أن أتركه ينظف معي المقبرة وهو يدعى يحيى، فعلاً سمحت بذلك وكان يفعل ذلك من غير مقابل كنت أعد له الفطور فقط ..فقمنا بنزع كل الأشجار التي كانت تحيط بالمقابر وتتراكم عليها الأوساخ والأكياس، استمر يحيى في العمل معي لفترة من الزمن دون أن يكل أو يمل .
اختفاء يحيى
ظل يحيى على هذا الحال حتى اختفى ذات يوم ، بحثت عنه في انحاء المقبرة .. لم تكن هذه من عاداته ..أخيرا من على البعد رأيت جسما عندما وصلته وجدت يحيى ملقيا على الأرض تحت إحدى الأشجار .. في البداية لم أعرف ما جرى له .. حاولت إيقاظه وتحريك يده لكن لم يجبني ..كان جسمه جافا وباردا ونبضه متوقفا فعرفت أنه متوفًّى من فترة من الزمن .
الموت مشهد عادي
لم أخف من منظر يحيى وهو قد فارق الحياة فقد تعودت على ذلك، فقمت بالبحث عن شيء يخصه لكي أعرف مكان أهله أو أسرته فوجدت رقم هاتف في جيبه وقمت بالاتصال به ،فرد عليَّ أحد إخوته فأخبرتهم بما جرى وجاءوا على عجل لأخذ الجثمان إلى منطقة الوحدة الحاج يوسف حيث قاموا بدفنه هناك، منذ ذلك الوقت عدت مرة أخرى وصرت أقوم بنظافة المقبرة لوحدي.
جثث مجهولة
تقول حاجة ريا: إن أكثر ما يخيفها في المقبرة بعض الجثث المجهولة وأغلبها لأطفال حديثي الولادة لا يتم دفنهم بصورة صحيحة، فالجثة أحيانا تكون بارزة وظاهرة مما يجعلني أقوم بدفنها مرة ثانية، لأن إكرام الميت دفنه.. هذه من أكبر المشاكل التي تحدث في المقبرة وهذه ظاهرة تخيفني لأنها بدأت تزيد ولا أعرف ماذا أفعل جراء هذا الموضوع، ولم أقم بإبلاغ الشرطة، لأنني لا أعرف ما هي الجهة ومن هو الفاعل وهل وراء الأمر جريمة أم مسألة خاصة بجودة عملية الدفن ، كما توجد عمليات دفن على قبور قديمة ، إذ هم لم يخافوا الله ولم يحترموا الميت.
حادثة غريبة
أكثر ما أخافني عندما وجدت في يوم من الايام جثة لشخص دفن لا أعرف متى ومن أين جاءت الجثة ؟ حتى اعتقدت ان وراء الامر جريمة قتل ثم توالت ظاهرة دفن جثث حديثي الولادة في هذه المقبرة، فقبل أيام وجدت بعض الكلاب مجتمعة على شيء فشعرت ببعض الخوف والفزع عندهاوصلت إلى هناك وجدت جثتين لطفلين حديثيْ الولادة، وكان الذباب حولهما عندها قمت بدفنهما وترحمت على روحهما ومنذ ذلك الوقت عزمت على أن أخبر الشرطة بأي شيء مريب يحدث في هذه المقبرة.
تجاهل اللجان
ذهبت لأكثر من مرة للجان الشعبية وأخبرتهم بما يحدث في المقبرة علماً بأن لديهم السلطة لإدارة المقبرة، وأن يقوموا بتعيين خفير عليها، ولكن كان التجاهل دوماً هو الرد ، عندها أخبرتهم بأن هناك الكثير من الجنازات تأتي من مكان غير معروف وأشخاص لا نعرفهم، فلابد أن تكون هناك أوراق رسمية وشهادات وفاة لهذه الجنازات، لم تستجب اللجان الشعبية لطلبي وأخبرتهم بأن هذه المقبرة وجدت فيها الكثير من الجثث غير المعروفة، وهناك جثث تم دفنها بطريقة غير شرعية خاصة حديثي الولادة، أردت أن أوصل لهم هذه المعلومة حتى يتم تعيين خفير أو مراقب لهذه المقبرة لأن هذه المقبرة ملك الجميع ..
خطر باليل
الليل أكثر خطورة في المقبرة حيث يتجمع فيها الشماسة ..هذا خطر آخر بجانب الجثث عندما آتي الصباح أقوم بشغلي اليومي لنظافة المقبرة أجد فيها بعض مخلفات السجائر، وأنا أعني هنا الحشيش، وأن المقبرة مقر رئيس لتجمع اللصوص الذين يخبئون مسروقاتهم فيها، وجدت أكثر من مرة بعض المسروقات في المقبرة وأخبرت الناس ومرة وجدنا مقتنيات تخص إحدى الساكنات في المنطقة، كل هذه الأشياء تحدث بالليل، فأنا أقوم الصبح لتجميع الأوساخ وحرقها فأجد مخلفات السجائر وأقوم بحرقها، وطبعاً إذا ذهبت للشرطة سيقيَّد البلاغ ضد مجهول، لأن المقبرة لا يوجد فيها حارس أو خفير .
ممارسات سالبة
ذات مرة تأخر ابني عن المنزل وهو (عضير)معاق.. فقمت بالبحث عنه عندما مررت بالمقبرة شاهدت ما لم أكن أتوقعه .. بعض الأولاد والبنات متجمعين في هذا الوقت المتأخر داخلها لشيء لا يعلمه إلا الله، عندها حاولت الذهاب لطردهم من المكان، ولكن تفاجأت عندما صرخ أحدهم في وجهي وطلب منى الابتعاد وقام بتهديدي، قصدت أن أعرف أن كان هذا الولد من الحي، ولكن ملامحه لم تكن واضحة عندما تكررت تهديداته خرجت من المقبرة واستنجدت بأحدهم، ولكنه رفض وقال لي: هؤلاء ليس من هذا المكان وهم خطرون، وأنا لن أعرِّض نفسي للخطر والأفضل لكِ الذهاب إلى البيت حتى لا يتعرفوا عليكِ ويقومون بمهاجمتك، لأنك تدخلت في خصوصايتهم وهذا خطر آخر، لأنه يجسِّد واقع انعدام الرقابة، وأصبحت ملجأ لهم للقيام بأفعالهم السيئة، فقمت الصباح بإخطار اللجنة الشعبية بما يدور وحتى الآن لم يفعلوا أي شيء، وأنا أحملهم المسؤولية التامة.

التيار


‫8 تعليقات

  1. جزى الله خيراً الأُخت الفاضلة (ريا ناصر) وبارك فيها ولها وعليها ، وجعل إعاقة إبنها زيادةً لها في الأجر وأعانها على حُسن تربيته.
    أمَّا موقف اللجان المختلفة والجهات المسؤولة لايختلف في تأثيرهُ السئ عن (زوار الليل) لتلك المقابر
    حسبنا الله ونِعم الوكيل … حسبنا الله ونِعم الوكيل

  2. وين منظمه حسن الخاتمه …؟
    جزاك الله خير الخاله ريا ونسال الله ان يجعله في ميزان حسناتك

  3. كلام خطيييييييير جدا جدا … بس مين البيسمع
    والاخطر ماعملته من دفن الجثث بدون ماترجع للشرطه!!!!!!!!!!

  4. والله العظيم وانا اقراء هذا المقال ( سرت قشعريرة في جسمي ) ممكن لانني اعرف الخالة ريا حق المعرفة وان كل ما زكر في المقال هو صحيح فالخالة ريا ناصر ( هي بنت ناصر محمد عيد رحمه الله عليه ) لم تتوانى لسنوات كثيرة في الاهتمام والعمل بالمقابر مما غير من شكل المقابر كليا فربنا يكتب لها ما تفعله في ميزان حسناتها يوم القيامة وان يطرح لها الصحة في نفسها وفي ابناها ..

  5. نسأل الله الكريم أن يجعل عملها هذا في ميزان حسناتها و أن يجعل لها في كل خطوة سلامة و أن يبارك لها في عيالها و رزقها إنه ولي ذلك و القادر عليه.

  6. ربنا يجزيها خيرا ويبارك لها وهذا العمل لابد من الوقوف معها بمساعدتها و تخصيص قوه امنيه حول المقبره مثل بسط الأمن الشامل
    وبالله التوفيق

  7. اكثر شيء اثار دهشتي في هذا البلد ان الحكومه لاتدفع قيمة فواتير كهرباء المساجد ولاتعفيها من رسوم العداد ولاتتوانى في فصل الكهرباء من المساجد .
    ايعقل بعد هذا ان نطلب منها حراسة المقابر ؟؟!!!