لبنى عثمان

صدق المشاعر


كثيرة هي الأخطاء التي نرتكبها في حق من نحب.. مرة باسم الغيرة ومرة باسم الكرامة.. وأحياناً كثيرة بسبب قلة الثقة، وربما يكون هناك خطأ نغفل عنه ولا نعده من الأخطاء في حق من نحب.. علماً بأنه بوابة الغضب.. نغفل فنظن الظن السيئ بمن نحب.. وعلى الرغم من الآية الكريمة تقول (إن بعض الظن إثم) إلا أننا نتمادى كثيراً في هذا الظن.. فنظن ما نشاء وكيف نشاء ونحاسب على الظن حتى وإن اكتشفنا خطأ ظننا لا نجد الاعتذار واجبا.. ولا نجده من حقوق الطرف الآخر لنعتذر له، هكذا تعودنا أن نرى الحب من منظور الملكية.. فالظن السيئ هو خطأ ذهني، وقد يبوح به اللسان وقد لا يبوح به.. وهنا يكبر ويؤثر فينا سلباً ونتغير، ولا يعرف الطرف الآخر سبب هذا التغير، ويصل العاشق إلى مرحلة القرارات الحاسمة في حياته وهو كاتم لأمر الظن السيئ بمن يحب.. لابد إذن أن نحسن الظن بمن نحب ولا نرى الخطأ إلا حين يكون خطأ فقط.. وألا تكون الأخطاء من صنع خيالنا نحن.. فهي ليست إلا خطأ الظن.

## حين اختار الطريق البعيد.. أدرك كم هي كبيرة مساحة الخطأ في حياته.. بعث لها برسالة

تأخرت كثيراً في بريد الحياة:

سيدتي العزيزة:

تحية طيبة وبعد..

تجدد اللقاء بيننا.. وكأن القدر يسحبنا من بين ملايين البشر ليجمعنا معا..

تأملتك بشوق لم أعرف له مثيلاً، وحاولت أن أخفي عنك لهفتي واحتجزت عواطفي.. ولكنها إنطلقت..

مر الوقت سريعا.. أيقنت أني كنت أسترق لحظات السعادة معك وأن حبك لم يولد إلا في النور

ولم يعش إلا في ذاتي.. كل خطوة مشيتها في حياتك أخذت مني قطعة.. أعطيتك رحيق حياتي وأجمله..

صغت من عمري قصيدة.. حروفها حروف اسمك.. وموسيقاها صدى صوتك.. اختزلت عالمي فيك مساحة الكون تبدأ من حدود جبينك وتنتهي عند أطراف أصابعك.. هذا عالمي معك.. فيض متدفق من السعادة.. (أنت)..

كل يوم عشته معك كان هدية من السماء.. قضيتي.. كانت كيف أسعدك.. وكل شغلي الشاغل ينحصر في محيط اهتمامك.. حزني وفرحي مؤشر متذبذب.. تحدده نظراتك.. فنظرة حب منك.. تأخذني إلى أقصى مساحات الفرح.. يصبح العالم كله في راحة يدي.. أكون سلطاناً متوجاً بسعادتك.. أراجع كل أحرف اللغة عشرات المرات.. لأتيقن أني محفوف بعين رضاك..

لم يكن العالم يعنيني بشيء.. صلتي بالعالم الخارجي.. تتحدد من خلال بوابتك.. تحول الكون إلى ريشة في مهب الريح وكأنه مجرد وهم وأنت الحقيقة.. لم أندم على عطائي لك.. وسأظل حريصاً على أن أكون مختلفاً عن ما قبل..

تعرفين.. أني وصلت إلى حد الجنون في حبك.. وصلت إلى حد الهذيان في عشقك.. بلغت حتى الثمالة في هواك.. أبحرت في غرامك.. غرقت في بحرك..

كل يوم أمضيته معك هو عمر بحالة.. أنت طفلي الذي يخفق القلب له في كل حركة.. الذي أخاف عليه حتى من نفسه..

أتعلمين.. أنك أول من استوطن قلبي.. وآخر من سيرحل منه..

لم يعد يسع خيالي الآن أن أفكر فيك.. قلبي نابض بوجودك.. لا تبصر عيناي سواك.. لا يتردد في مسامعي إلا همسك..

لقد هاجرت روحي وسكنت في روحك.. امتلكت كل ما في داخلي من شعور واحتويتي شكل إحساسي

منذ غادرتني لم أعد أحس بطعم الحياة إلا وأنا معك.. لم أعش يوماً قبل أن أعرفك.. كنت أتنفس وأتكلم وأمشي بك.. كنتِ الحياة التى تدب في روحي.. لم أُولد إلا يوم ارتباطي بك…

.. وكان ردها في نفس الرسالة:

.. يا.. سيدي..

أرجوك، كن صادقاً معي.. فعدم الصدق في المشاعر يكسر القلوب.. ويؤلمها كثيراً.. فقط أكتبني في تلك اللحظات.. دون مشاعري لك لأنها صادقة.. أعرف أن الحياة سعادة وشقاء.. وأنا راضية بقدري.. بفرحي وبعذاباتي.. لم أخف يوماً مطلبات الزمن لأني أؤمن بأني يوماً سأصيب ويوماً سأخطئ.. ولكن فراقك كان لي بمثابة المرض الخبيث الذي داهمني وتجرأ على اقتحام وإتلاف جسد روحي.. دخل من دون استئذان.. لم يعرف مدى السلام في داخلي.. تغلغل في دمي واحتلني وأخذ حياتي..

**توقيع **

وإن اخترت الطريق البعيد..

خوفي فقط أن تتعبني الطرقات..