الطيب مصطفى

هل تذكرون بيتر سولي ؟!


لست أدري ما إذا كان القراء الكرام يذكرون بيتر عبد الرحمن سولي.. ذلك الزعيم الجنوبي الذي كان ينفث حمماً من الحقد الأسود على الشمال وشعبه أيام الفترة الانتقالية التي سبقت الاستفتاء على تقرير المصير وخروج الجنوب برغبة أهله من السودان، والذي اتحت له عدة مرات الفرصة للرد على مقالاتي أيام صحيفة “الإنتباهة”، حيث كان يلهب ظهري وظهر الشمال وشعبه بعباراته العنصرية الحاقدة، ويتحدث حديث العاشق الموله عن جنته الموعودة في دولة جنوب السودان الحرة المستقلة التي كان ينتظر انبلاج فجرها بفارغ الصبر.
اظنكم تتوقون لمعرفة ما جرى له في دولة جنوب السودان التي كان الأكثر تعبيراً عن رغبته في قيامها مستقلة ومنفصلة ومقطوعة بنصل حاد عن الشمال الذي كان يراه شيطاناً رجيماً.
أرجو أن تصبروا لتعلموا ما حل بـ”بيتر سولي” في دولة جنوب السودان، فقد قُتل الرجل قبل أيام قليلة من قبل هيئة الاستخبارات العسكرية في جنوب السودان التابعة للجيش الشعبي الحاكم بالحديد والنار لتلك الدولة التي تترنح اليوم كما المذبوح جراء الحرب الأهلية التي تمسك بخناقها وتفتك بها فتكاً.
لكن هل انتهت قصة الرجل بهذا الخبر، أم أنه تعرض منذ أن غادر الشمال إلى حيث جنته المنتظرة لأبشع أنواع القهر والاضطهاد والتنكيل والسجون بعد أن كان حراً طليقاً يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء ويعيش في بحبوحة العيش ورغده في الشمال، قبل أن يغادر إلى جحيم الجنوب.
بيتر سولي كان يرأس حزب الجبهة الديمقراطية المتحدة ولم يمض شهر واحد من قيام دولته وهجرته إليها حتى بدأت متاعبه في دولة الدينكا، فقد اعتقل من قبل قوات الأمن في جوبا في الرابع من نوفمبر 2011 في منطقة جامبو بولاية غرب الإستوائية التي ينتمي إليها بتهمة اعتزامه الحرب على الدولة.
بعد أن قضى وقتاً طويلاً في السجن صدر قرار بالعفو عنه وبعده طلب اللجوء السياسي ليوغندا تحت رعاية المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة وتبخر حلم الجنة الموعودة، حيث رضي الرجل بأن يعيش بعيداً عن أرض الميعاد التي لطالما دغدغت مشاعره وتعلقت بها أحلامه، فقد تحطم كل شيء وأدرك الرجل يومها مقدار سذاجته حين تعلق بالأوهام والأحلام المستحيلة في دولة تحتكم إلى منطق القبيلة، لا فرق في ذلك بين النخب أو السذج والبسطاء، فكل يتعلق بأهداب قبيلته التي تمنحه الأمان والاطمئنان، أما الوطن الواحد والهوية المشتركة التي تجتمع عليها كل المكونات القبلية في وطن يجمع شتاتها، فإنها لم تتبلور بعد. فالجنوب ظل كما هو في بدائيته منذ خلق الله السماوات والأرض ولم يحدث استقرار كما لم تتوقف الحرب ليحدث التجانس والاختلاط والتثاقف الذي يرتق تلك المكونات وينشئ الهوية المشتركة التي تكون الوطن الواحد.
لكن هل انتهت متاعب الرجل عند هذا الحد، أم أن الهجرة لم تنجه من لوردات الموت وشياطينه الذين ما فصلوا لجنوب بالبندقية إلا ليحكموه بها.
اختطفت الاستخبارات العسكرية بيتر سولي وزميله الجنرال الياس جادا من داخل يوغندا وبتواطؤ معها وتحديداً من مدينة دجوماني قبل نحو شهر وادخلتهما إلى الجنوب، ومن ثم قامت بقتلهما رمياً بالرصاص بأمر من رئيس الاستخبارات ماريال جوك لتنتهي حياة حافلة بالحركة والنشاط الدافق كما انتهت حياة الآلاف بل المﻻيين من أبناء الجنوب تحت حكم الجيش الشعبي الذي تسيطر عليه قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها سلفا كير والتي انتمى إليها قبله جون قرنق الذي قضى بنفس الأسباب التي أدت إلى مقتل بيتر عبد الرحمن سولي.. ذلك الرجل الذي ساقه حقده على الشمال وأهله إلى الخروج من الإسلام الذي كان والده يدين به بل كان أحد شيوخه.
قد يتساءل الناس.. لماذا يرفض سلفاكير التوقيع على الاتفاقية التي أعدها وسطاء الإيقاد والتي وافقت عليها أطراف النزاع الأخرى بمن فيها رياك مشار المنتمي إلى قبيلة النوير، وباقان أموم المنتمي إلى قبيلة الشلك؟.
السبب أن سلفاكير لا يستطيع أن يخرج على رغبة مجلس قبيلة الدينكا، لكنه قبل ذلك فإنه لا يستطيع أن يخرج على القرار اليوغندي.
يبدو أن بيتر سولي ما اختطف من شمال يوغندا إلا لأنه كان يتحرك منها من أجل إشعال تمرد القبائل الإستوائية التي تتململ من سيطرة الدينكا على عاصمتهم وعاصمة الجنوب (جوبا)، ومعلوم أن كثيراً من القيادات الاستوائية أما معتقلون وأما يخضعون للإقامة الجبرية في منازلهم مثل كليمنت واني كونقا.
من المعلوم أن هناك تداخل قبلي بين الجنوب والشمال اليوغندي حيث قبيلة الأشولي التي ينتمي إليها جزء كبير من جيش الرب اليوغندي المعادي لموسيفيني وهو ما يزعج الرجل الذي يخشى من تحالف بين جيش الرب والاستوائيين الأمر الذي يشير إلى دور يوغندي في مقتل سولي.
ما بدأ التمرد الإستوائي إلا بعد أن اشتعلت الحرب بين الدينكا والنوير، أو بين سلفاكير ومشار، ولذلك فإن مقتل سولي لم يأت من فراغ، فالرجل الذي لا يهدأ كان جزءاً من الصراع المحتدم في جنوب السودان، ولا أشك لحظةً في دور لعبته يوغندا في اختطافه، إذ يصعب تصديق أن تقوم حكومة الجنوب باختطاف سولي من داخل الأراضي اليوغندية بدون إذن أو مشاركة من الحكومة اليوغندية التي يسيطر جيشها على جنوب السودان ويسيطر رئيسها موسيفيني على القرار الجنوبي.
معلوم أن يوغندا تسرح وتمرح في جنوب السودان ويدها ليست بعيدة عن كل الاغتيالات التي حدثت في جنوب السودان بما في ذلك مقتل قرنق والجنرال جورج أطور، كما أنها ليست بعيدة عن التطورات السياسية التي تحيط بدولة جنوب السودان التي تئن تحت وطأة الحرب الأهلية والموت والجوع والجهل والمرض.


‫4 تعليقات

    1. لقد ذبح الثور الأسود فرحا (كرامة) بالتخلص من التريلة المنفسة .. وقد شاركه ملايين الشماليين هذه الفرحة ..
      علي العموم ذبح الثور خير من الذين قاموا بذبح الشماليين في أحداث توريت وفي أحداث مقتل قرنق !!!

  1. الطيب مصظفي والله لا أعتقد يوجد شخص اكثر منك عنصرية وحقدا …. شي يفقع المررارة … كل اناء بما فيه ينضح …

    1. هذا رجل امين و صادق وشفاف ويحمل امل واشواق الملائين من الشعب السودانى ايهما اليسار الضال والخزى والعار لكم ابدا