منى ابوزيد

حكومةً وشعباً ..!


“كل أمة تسخر من الأمم الأخرى، وكلهم على حق” .. آرثر شوبنهاور ..!
(1)
معظم الإشكالات المهنية للمغترب السوداني ـ مقارنة بأحوال زملائه من الشعوب الأخرى ترجع إلى عيب أوحد لا شريك له (لا تجيد معظم كوادرنا المؤهلة جداً والمقيمة خارج البلاد، فنون التسويق لإمكاناتها، وبالتالي فهي قد تخفق في تقديم الصورة الإيجابية اللازمة للتقييم العالي الذي تستحق) .. نحن شعب مصاب بنقص حاد في فيتامين الفهلوة، وقصور في مهارات التواصل الاستراتيجي، ومعظمنا يعامل أرباب العمل في بلاد الناس بمفاهيمه الخاصة، وبعقليته هو، وليس وفقاً لمناهجهم وأعرافهم .. لذلك تجدنا دوماً أكثر من يعمل بمهارة وإخلاص كمغتربين في بلاد الناس، وأقل من يحصد المكافآت والمناصب ..!
(2)
أسلوب التربية في مجتمعاتنا لا يشجع فكرة الاعتذار، إلى حد الاعتقاد بأن كلمة آسف تناقض ما تتطلبه الرجولة من رابطة جأش وقوة شكيمة .. لذلك تهرع الشخصيات الاعتبارية ـ في مجتمعنا ـ قبل الفردية، إلى الاستماتة في تبرير الخطأ عوضاً عن الاعتراف بوقوعه .. نحن بلد مكابر حكومة وشعباً .. شعب يتعامل مع أخطائه الناتجة عن عشوائية أو سوء تقدير بمنطق مُكابر على صعيد الخاص والعام، وحكومات متعاقبة تفلسف أخطائها السياسية على طريقة (الخطأ في إدارة الخطأ)! .. لذلك تجد أن الثقافة السائدة – عندنا – هي اللف والدوران حول المشكلة عوضاً عن الاعتراف بوقوعها .. فكلمة (آسف) – عند معظمنا – ثقيلة .. عصيَّة على الفؤاد قبل اللسان! .. بعد تفكير عميق في معضلة المكابرة القومية .. أقترح – وبمنتهى الجدية – تضمين منهج عن (فنون إدارة الخطأ) في المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية، باعتبار أن زراعة السلوك القومي الناجح تبدأ منذ تلك المرحلة! .. “آسف” كلمة لها وزنها وقيمتها الرسمية والشعبية، ومفعولها الساحر الذي يغسل الغضب ويلين أشد المواقف صلابة محلية كانت أم دولية .. والوجه الآخر للمبادرة بالاعتذار هو الصفح الجميل .. وكلاهما لا يباع في السوبر ماركت، ولا يشترى من الصيدليات، بل ينقش في حجر السلوك القومي منذ الصغر ..!
(3)
سكوت الزوجات – طائعات مختارات – عن نزوات الأزواج ينطلق من فلسفة أنثوية عميقة، مفادها أن “طيارة العين” أو حتى التجاوزات العشوائية لحواس الرجال الخمس هي ـ عند معظم النساء ـ أوهى أنواع الخيانة، لانتفاء شرط الإصرار وغياب عامل الترصد، الذي يسبق طقوس “التدبيل” – أي الزواج من أخرى – ولأنّ أغلب النزوات ينقصها الإصرار والترصد، تلوذ معظم الزوجات بالسكوت والغفران! .. لكن المدهش حقاً أن السكوت الذي يكون علامة رضا قبل الزواج، يتحول في الغالب (بعد حلول الاعتياد ورفع الكلفة) إلى علامة كبيرة ـ وخطيرة ـ من علامات انعدام الرضا! .. فـ سكوت زوجتك المفاجئ عن طقوس الثرثرة المعتادة هو المعادل الموضوعي للسكون الذي يسبق العاصفة .. والعاصفة بطبيعة الحال هي غضبة أنثى سكتت فأوجزت .. ثم تكلمت فأسهبت .. إذا وجدت نفسك في مواجهة مباشرة مع هذا النوع من السكوت، ثم هبت العاصفة إياها، فالأفضل أن تأخذ بأهم نصائح خبراء الكدر العاطفي والنكد الزواجي .. النصيحة تقول باختصار: اسكت ساكت ..!
هناك فرق – آخر لحظة