مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : الحرب العادلة


الكل ينشد السلام الذي أصبح كالفردوس المفقود، تلك الملحمة الشعرية للكاتب الإنجليزي جون ملتون التي كتبها في عام 1667م.
وبينما تدور ملحمة ميلتون في جنات عدن، فإن السلام المؤمل يشتهى تحققه في عدن التي على أرض اليمن.
في كتابه الشهير «الحرب والسلام» رأى ليو تولستوي أن مسألة تشذيب الحرب عن كل ما يتعلق بها، ووصفها بالضرورية هو نوع من أنواع التحايل من أجل إلباسها حلة الشرعية، وهذا من منطلق فكرته في أن الحروب لا يجب أن تحدث على الإطلاق.
ولكن عندما اقتضت الضرورة ذلك، فإن تولستوي نفسه جاء بمبررات لاندلاع الحرب حتى وصل الأمر تبريره لذبح الجنود الفرنسيين على يد الفلاحين الروس.
وهذا الصراع الذي دار في صدر تولستوي، واستخرج لنا هذه الرواية الفريدة، يدور الآن في صدر كل محب للسلام، مما يدعو إلى تأمل الرواية التي تقدم لنا حب الحياة في تعارضه مع مأساة الحروب في قالب تاريخي شيق.
ومهما يكن من أمر، فإن القتال في اليمن وغيرها بغيض ولكن قد تكون له ثمة مبررات كقول تولستوي: «إن حادثا احترب فيه ملايين البشر، وقتل فيه نصف مليون من الرجال، لا يمكن أن تكون إرادة فرد واحد هي سببه.
إن رجلا وحده لا يستطيع أن يجبر 500 ألف شخص على أن يموتوا».
وفي هذا إشارة واضحة بأن الدخول في الحرب يستلزم وجود قضية معينة.
هذه القضية هي التي تحاول تشويهها بعض أصوات النخبة اليمنية الجالسة على دكة المعارضة في الخارج، وعايشوا كل عهود اليمن من وحدة وانشقاق، ثم وحدة وانقلاب دون أن يحركوا ساكنا أو يكتووا بما يذوقه أهلهم يوميا على يد الانقلابيين.
في الواقع أن أغلب الاتفاقات والمعاهدات الدولية تحوم حول وضع قواعد السلوك المقبول في تحديد مسألة شن الحرب وتصنيفها بما هو في باب الحرب العادلة وما هو غير ذلك.
وبالرغم من أن هذه الإشارات نابعة من معايير أخلاقية ومنطقية وواقعية، تجرم الحرب في مطلقها ولكن تقيدها بهذه القواعد، فإنه لم يتسن اتباع هذه القواعد في كثير من الحروب على مستوى العالم رغم أنها جاءت مضمنة في ميثاق الأمم المتحدة.
وبهذا، فإن هذه القواعد الموضوعة تظل محل تفسيرات عدة، ففي حين يرى محبو السلام أن الحرب هي حالة خروج على القانون ولا بد من منع وقوعها من الأساس، يرى آخرون أن طبيعة البشر لا تقبل التغيير، ويسير فيها الخير والشر جنبا إلى جنب، وفيهم ممن لا يحتكمون إلى غير الشر باقترافهم عمليات القتل والاعتداء على غيرهم، حيث لا يبقى من سبيل سوى وقف هذه الاعتداءات.
وأدى ذلك إلى نظر من يضطر إلى خوض غمار الحرب أن تكون تبعا لمبادئ الحرب العادلة والتي تتمثل في أحقية قرار المشاركة في الحرب المعنية، ثم الالتزام بقانون الحرب أو قواعد الأخلاق التي تحكم طريقة سير الحرب أيا كانت.
وهذه القواعد تستلزم وجود شروط اتفق عليها في حق اللجوء إلى الحرب وهي: القضية العادلة، السلطة الشرعية، النيات الصائبة، الإعلان الجهري عن الأسباب والنوايا، التناسب المتمثل في النتائج التي يغلب فيها الخير الشر، وفي كمية القوة المستخدمة ونوعها، وأن تكون هي الملاذ الأخير، ثم أن تبدو الآمال المعقولة بالنجاح واضحة.
قد يكون من العسير على الإنسانية أن تنجح في منع الحروب، ولكن ما تحاول قوات التحالف جاهدة فعله، رغم غدر الحوثيين، هو سعيها لاحتواء الحرب نفسها بتحويلها إلى السمة الإنسانية لنصرة أهل اليمن..وإعادة الأمل.
mona.a@makkahnp.com