الطيب مصطفى

الأمية.. المأساة المنسية


ذُهلت حين علمت أن عدد الأميين في السودان يتجاوز أحد عشر مليون فرد .. أليس بالله عليكم باطن الأرض خير من ظاهرها؟!
فقد صرّح وزير الدولة بوزارة التربية والتعليم عبد الحفيظ الصادق في حديث لصحيفة “الرأي العام” بأن عدد الأميين في 13 من ولايات السودان يبلغ تسعة ملايين فرد فإذا أضيفت الولايات الخمس الأخرى فإن تعداد الأميين سيتجاوز بالقطع 11 مليوناً ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم !
بالرغم من ذلك نتباهى ونتفاخر ونعرض (ونفنجط) بفرح غامر بثورة التعليم العالي فأي عارٍ ذلك الذي نتمرغ في رمضائه ونخوض في مستنقعه الآسن حين نتفاخر بتغطية رؤوسنا ولا نشعر بالخزي إذ نترك بقية جسدنا عارياً حتى من ورقة التوت؟
أيهما أولى بربكم.. أن نقيم الجامعات ونتوسع في إنشاء كليات الطب التي بلغت العشرات والتي تخرج عدة آلاف من الأطباء كل عام لدرجة أن يتعطل أصحاب تلك المهنة الغالية ولا يجدون عملاً يسد رمقهم أم نزيل الأمية التي تعتبر من أكبر عوامل تخلف الأمم والشعوب وتخلف مجتمعنا السوداني الغارق في الحروب والصراعات القبلية؟
إننا نرتكب بالسكوت عن هذا العار الذي يلطّخ سمعة القائمين على الأمر قبل أن يشوّه سمعة السودان وشعبه بين العالمين.. أقول إننا نرتكب أكبر خطيئة في حق وطننا وشعبنا الصابر المحتسب حين نترك ما يزيد عن ثلثه متخبطاً في دياجير الجهل والأمية التي تجعل بعض نساء ورجال سودان المشروع الحضاري يعيشون في جاهلية جهلاء تجعلهم لا يفرّقون بين الله ورسوله ولا يحفظون آية واحدة من كتاب الله ناهيك عن أن يصلّوا ويصوموا ويمارسوا شعائر دينهم.
إن ما شاهدناه في فيديو العار الذي صّوِّر في قرية “عروس” في أطراف الخرطوم ليحكي عن تلك المأساة تتعدى المسؤولية عنه أهل الحكم المشغولين بتوافه الأمور وسفسافها لتشملنا جميعاً خاصة أهل الدعوة الذين يمضون الأيام والليالي في اهتمامات هزيلة كان ينبغي أن تؤخر ليقدم إخراج هؤلاء البؤساء من ظلمة الجهل إلى نور العلم والإيمان.
أرجع لأقول إن حديث الوزير عن خطة خمسية لمكافحة الأمية لن تقنع أحدًا ورب الكعبة، فبعد أكثر من نصف قرن لا يزال شعب السودان وفي عاصمته لا يقرأ ولا يكتب.. وبعد اكثر من ربع قرن من مشروع (الإنقاذ) الحضاري لا يزال الجهل يعشعش في رؤوس أعداد هائلة من أبناء الشعب السوداني في وقت ترفع فيه الدولة شعار الحكومة الإلكترونية والتحصيل الإلكتروني ونجعجع نحن السياسيين بالديمقراطية وصندوق الانتخابات، ونطرح شعارات لو تحدّثنا عنها أمام هؤﻻء الأميين لحسبونا نرطن باللغة الهيروغلوفية!
بالله عليكم أليس كثير من عللنا الأمنية والسياسية والاجتماعية ناشئة عن الأمية التي تجعل من يتّصف بها يسترخص القتل وإسالة الدماء؟ هل حروب داحس والغبراء التي تفتك بالقبائل السودانية حتى في قلب الخرطوم إلا ابنة الجهل والأمية التي تسلب الناس قيم التدين من كظم للغيظ وعفو وصفح وتحذير من قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق؟
من تراه من الأميين يفهم الحديث الشريف: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً)؟
كيف يمارس الأمي السياسة ويتعاطى مع صندوق الانتخابات بل كيف يحسن اختيار من يمثله في البرلمان أو البرنامج الحزبي الذي يمكن أن ينهض بالسودان؟.. كيف وكيف وكيف مما لا يمكن إحصاؤه مما قعد بالسودان وحطَّ من قدره بين الأمم؟!
أعجب أن يطرح المؤتمر الوطني شعار النهضة في بلاد يعاني ثلث شعبها من الأمية الأبجدية ولا أقول الإلكترونية فذلك ترف فكري ما بعده ترف .
إني لأخاطب رئيس الجمهورية بأن يولي أمر الأمية الاهتمام الأقصى، فوالله لا أرى كل ما تقوم به وزارة التربية والتعليم الاتحادية بأكثر أهمية من إزالة الأمية.. ولذلك أقترح أن يتولى أمر إزالة الأمية آلية مركزية تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية بحيث تتوافر لها الموارد البشرية والمادية حتى يُمحى هذا العار الذي يلطِّخ جبين السودان.


تعليق واحد

  1. الجماعة بتاعين الهجرة الي الله ارجو ان يوحهوا جهدهم الي هذه الماكن التي لا تفرق بين الله ورسوله في دولة المشروع الحضاري .