حيدر المكاشفي

العضَّة خارج أورنيك 15 الإلكتروني


كان الفريق أول ركن بكري حسن صالح؛ النائب الأول لرئيس الجمهورية، قال في لقاء مشهود، ما معناه (بعد بدء العمل بأورنيك 15 الإلكتروني مافي زول بلقى ليهو عضة)، وكلام النائب هذا يصح في جانب الإيرادات المتحصلة اذا ما أحسن تطبيق العمل بهذا الأورنيك، ولكن يؤخذ منه ويرد في جوانب أخرى، فللفساد أوجه وضروب وفنون عديدة، ولقبيلته خشوم بيوت وبطون وأفخاذ، أقلها شأناً وخطراً هو ما يستطيع أي مراجع مالي مبتدئ كشفه، فمن فرط بساطته وغشامة مرتكبه هو أنه يترك دليلاً عليه وهذا هو (الفساد أبو أدلة)، أما أخطر أنواع الفساد وأكثرها فتكاً بالمال العام؛ هو ذاك الذي لا تطاله يد المراجعة ولو طالته لن تجد دليلاً عليه وفق التعريف القانوني لـ(الأدلة)، ومنها ما يتعلق بالمصروفات أو المنصرفات ويتم على نحو يبدو مشروعا، ولنأخذ الحوافز والمكافات والنثريات مثالاً على ذلك، ففي كثير من الأحيان يتم الصرف على هذه البنود والتصرف فيها على نحو فاسد رغم مشروعيتها، وقد ظلت صحف الخرطوم وما فتئت تكشف كل حين الممارسات الفاسدة التي تقع على هذه البنود.
مما كشفته الصحف مؤخراً ولا نقول أخيرا، الخبر المنشور منتصف هذا الأسبوع حول الخلاف الذي نشب بين الوزيرة السابقة لوزارة العمل ووزير الدولة من جهة، والمتهم الأول في قضية اختلاسات الوزارة التي تنظرها المحكمة من جهة أخرى، بسبب امتناع هذا الأخير عن رفع حافز الوزيرة ووزير الدولة من ثمانية آلاف جنيه الى الضعف، حسب الإفادة التي أدلت بها أمام المحكمة مديرة إدارة بالوزارة بوصفها شاهدة اتهام، وسبحان الله مقلب الأحوال، فهذه الوزيرة نفسها كنا قد أشدنا بها وشددنا على يدها على كلمة قوية لها أمام البرلمان؛ كشفت فيها ما يمكن وصفه بالتجاوزات الكبيرة و(الهبر) المصلّح الذي وقع على المال العام تحت بند (الحوافز والمكافآت)، ليس ذلك فحسب بل وعدم عدالة وخيار وفقوس حتى في توزيع هذا المال (المهبور والمهدور).
لا أحد يغالط في أهمية التحفيز مادياً كان أو معنوياً حفزاً للعاملين وحثاً لهم على الإجادة والتجويد في العمل عملاً بمبدأ الثواب والعقاب، أن يثاب من يحسن ويجيد، ويعاقب من يهمل ويقصّر، ولكن من الغلط المفضي إلى الفساد أن يترك أمر الحوافز هكذا (سداح مداح) تصرف بعشوائية وانفلات وبلا ضوابط ناظمة ولا قواعد منظمة، وتمنح فقط بالمزاج للحاشية أو الشلة، لا بد من وجود آلية ونظام محكم ودقيق وعادل يُحتكم إليه عند تنفيذ مبدأ التحفيز.. وليس بعيداً عن فوضى الحوافز والمكافآت وما يفوح منها من روائح فساد ومحاباة وعدم عدالة، هناك أيضاً تكالب واحتكار البعض لعضوية وربما رئاسة عدد من مجالس إدارات اللجان والشركات والبنوك والهيئات والتي يحلبون منها مبالغ ضخمة كحوافز ومكافآت.