عبد الجليل سليمان

براغماتي وهابط وشيء لأبي قردة


(1)
من أعطالنا وأعطابنا الأبدية أننا نقول ما لا نفهم وما لا نستطيع أن نفعل، فينتج عن ذلك، إما تراجعاً عن الموقف (أو التصريح)، وإما إنكاراً له، ومن ثم الانخراط في عنت التبرير ومشقته. ومن ذلك (موقف) حسن إسماعيل الأخير، الذي فيما لو فسرناه في سياق السلوك الجمعي للسياسيين السودانيين منذ فجر الاستقلال وما قبله، وإلى الآن لما شققنا على أنفسنا ولما حلمنا عليه أكثر مما ينبغي.. فالرجل ربما كان يكتب (معارضاته) الصريحة الجريئة، و(ينتبر) منابره الصارخة الهارجة من أجل هذه الحقيبة التي بحوزته الآن، وليس ذلك بمستغرب، فجل الساسة في هذه البلاد فعلوا ذلك ولا يزالون يفعلون، والرجل صنع يدي حزب الأمة، وهو حزب يحارب السلطة الحاكمة بيد ويعضدها بأخرى، منذ مسار ونهار ومبارك ودقنة وعبد الرحمن الصادق، والصادق الهادي و…. إلى آخر القائمة الذي لا نراه. فالرجل لم يكن مبدئياً في معارضته للحكومة بل كان ذرائعياً براغماتياً مثل غيره.
(2)
و(ابن البادية وعلي اللحو)، لا شك أنهما قامتان غنائيتان فارعتان، لكن لا شك أيضاً في أنهما إلى خفوت وفقاً لعامل السن (الشيخوخة)، وما يترتب عليها من وهن في كل شيء حتى في (الصوت) الذي يمثل رأسماليهما الوحيد، لذلك وهما في هذه المرحلة – أفضل لهما – أن لا ينجرفا كثيراً إلى منافحة ومنافسة (الغنايين الشباب)، بل عليهما أن يضطلعا بدور الأستاذية المرنة والمحببة، فلا داعي للتحريض على – ما أسمياه – الغناء الهابط فكلاهما غنى في شبابه ما كان يعده البعض هابطاً، وهو ليس كذلك بالتأكيد، فهل يذكران “أنا قصدي الانبساط دائماً يا أخوانا مع البنات” أو “تهموني بيك وأنا قالوا خاين أنا ما سرقت بس جيت أعاين”.
ليس هنالك غناء هابط، فهذا مصطلح (سكه) البعض، واتبعهم الآخرون دونما تفكر وتدبر، فتوقفا بربكما عن ترديد ما قد يحسب عليكما ويسوءكما لاحقاً.
(3)
أشهد أن وزير الصحة الاتحادي ورئيس حزب التحرير والعدالة (بحر إدريس أبو قردة) رجل كفؤ وقدير وخلوق ومنضبط، لكن من يعمل في سياق كامل يتسم بالفوضى واللا انضباط، وتمارس فيه السياسة باعتبارها مهنة (المقالب والكيد)، فإنه لا شك محمول إلى تلك الفوضى، وذلك الكيد (غصباً) عنه، وإلا فإن كل شيء سيمضي نحو الهاوية.
لكن هذا لا يبرر ما حدث في (روتانا سلام)، بقدر ما علينا شرحه، فأبي قردة قال إن السلطة الانتقالية غير شرعية، وهذا – قانونياً – صحيح، وبالتالي لماذا أرادوا لجهة غير شرعية أن تنهض بمهمة الإشراف على (عطاءات مشروعات تنمية درافور)، وكأنهم يريدون لها أن (تلحق) المرحوم (صندوق تنمية شرق السودان).
أمين حسن وتجاني سيسيه، ولفيفهما من يتحملون المسؤولية كاملة، وجزئياً تقع أعباؤها على حزب التحرير والعدالة، رغم أنه كان مجبراً على اجتراح هذا السلوك الاستثنائي (المرفوض)، لكنه لو كان ترك الأمر يمر، لكانت النتائج أكثر كارثية مما حدث بروتانا سلام، ويمكننا التفصيل لاحقاً في ذلك.