الطيب مصطفى

بين الاتحاد الأفريقي والحوار الوطني


لا خيار آخر لحل الأزمة السودانية غير الحوار بين القوى السياسية السودانية جميعها، ذلك إن بديل الحوار سيكون كارثياً ولن يكون بأي حال أخف مما نراه اليوم رأي العين في الدول التي تفتك بها الحروب الأهلية، فما كانت مجتمعات اليمن وسوريا والصومال والعراق وليبيا بأكثر هشاشة من المجتمع السوداني، وما كان نسيجها الاجتماعي أقل تماسكاً عشية اندلاع الحروب الأهلية التي قتلت بنيها وشردتهم ودمرت أوطانهم ومزقتها وجعلتها أحاديث تلوكها فضائيات الدنيا.
أقول لبني وطني.. حدثوني هل كانت سوريا قبل اندلاع الحرب المدمرة التي شُردت نساؤها ورجالها وأطفالها وملأت بهم الدنيا حتى اضطروا إلى الهجرة إلينا هنا في السودان البعيد رغم تخلفه وضيق العيش فيه .
أود أن أسأل: هل كانت سوريا تعاني من تمردات في أطرافها كالتي رزأ بها السودان في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، بل هل كانت تشهد حروباً بين قبائلها وطوائفها كالتي عمت السودان أو كادت ولم تستثن حتى ولاية الخرطوم؟.
ما قلته عن سوريا مقارنة بالسودان يسري على كل الدول التي تعصف بها الحرب الآن فكيف بالله عليكم إذا اشتعل السودان بحرب أهلية وهو أصلاً (ما ناقص)؟
أقول هذا بين يدي البيان الذي أصدره مجلس السلم والأمن الأفريقي حول الحوار الوطني، وقبل أن أوجز بعض ما ورد في ذلك البيان، أود أن أذكر بالمواقف المشرفة للأفارقة وللاتحاد الأفريقي إلى جانب السودان خاصة موقفه من محكمة الجنايات الدولية ومؤازرته له في كل المحافل ولا يمكن نسيان موقفه الأخير في جنوب أفريقيا حيث أبطل كل محاولات توقيف الرئيس البشير رغم الضغوط الأمريكية.
لذلك على الحكومة وعلى جميع الأحزاب والقوى السودانية أن تأخذ ما ورد في بيان الاتحاد الأفريقي مأخذ الجد، سيما بعد أن عبر عن خيبة أمله وقلقه جراء التباطؤ في تنفيذ خارطة الطريق ويجدر بي أن أوجز ما ورد حتى يعلم الجميع الموقف الجديد لمجلس السلم والأمن الأفريقي فيما يتعلق بقضايا السودان والذي أخشى إذا لم يتم التعامل معه بدرجة عالية من المسؤولية أن يحيل الأفارقة من خلال مؤسساتهم إلى عدو مبين يزيد من أوجاع السودان خاصة وأن البيان قد حدد هذه المرة فترة زمنية ينبغي التعامل خلالها بصورة أكثر جدية وإلا فإن الأمر سيصبح أكثر تعقيداً.
يقول البيان عن مجلس السلم والأمن الأفريقي إنه (يشعر بخيبة أمل وقلق عميق إلى أنه على الرغم من قرارات المجلس وتشجيعه والجهود غير المسبوقة التي ظلت تبذلها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى على مدى ست سنوات، فضلاً عن الدعم الذي يقدمه المجتمع الدولي، إلا أن التحديات الأساسية للأمة السودانية ظلت دون حل وأن تقدماً غير كاف قد تم إحرازه في تنفيذ خارطة طريق الحوار الوطني وفي الجهود المبذولة لإنهاء الصراعات طويلة الأمد في السودان).. ثم مضي البيان ليؤكد الدور الذي ينبغي للحكومة السودانية أن تلعبه فقال: (يؤكد مجدداً أهمية الإقليم والقارة في حل الأزمة السودانية والمسؤولية الخاصة التي تقع على عاتق حكومة السودان هي أخذ زمام المبادرة في ضمان عقد حوار وطني جاد وحقيقي وشامل وتحول ديمقراطي في البلاد).
بعدها أكد البيان أن (وقف الصراعات هو مطلب أساسي في استمرار الحوار الوطني) كما جدد تفويضه لآلية الرئيس الجنوب الأفريقي السابق ثابو أمبيكي لمواصلة دورها في السعي لحل الأزمة السودانية.
بعد ذلك حث الأطراف السودانية لكنه خص الحكومة بدور خاص لتحقيق (التحول الديمقراطي في السودان من خلال إجراء حوار وطني شامل وشفاف وذي مصداقية للجميع)، ودعا البيان الحكومة السودانية للتعاون مع آلية أمبيكي في جميع جوانب تفويضها ودعا الحكومة إلى الامتناع عن القيام بأي أفعال تقوض الثقة وتعيق الحوار الوطني.
من النقاط المهمة كذلك أن البيان دعا إلى اجتماع تحضيري يسبق إجراء الحوار الوطني وطلب من آلية أمبيكي تقديم تقرير خلال 90 يوماً إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي حول مسيرة الحوار.
ذلك كله يدعونا إلى التنبيه إلى أهمية تقديم جميع أطراف الأزمة السودانية بما في ذلك المؤتمر الوطني الحاكم والذي تقع عليه مسؤولية أكبر.. تقديمها تنازلات يمكن أن تجمع شمل أبناء السودان وتوقف الحرب وتحقق السلام وتنقل السودان إلى مرحلة جديدة من التحول الديمقراطي والحكم الراشد .