هيثم صديق

سبتمبر


إن كانت الشهور ترتبط بالطقس والمناخ في الدول الغربية والدولة العبرية، فإنها ترتبط في الدول العربية بالأحداث الجسام والثورات المتناسلة من ديكتاتوريات والثورات المبددة في استيراد الغاز المسيل للدموع.
يغني المغني في بلاد يذوب من الوله شبانها كما تموت من البرد حيتانها لايار وازار ونيسان وعندنا يبكون من ذكرى أيلول الأسود.
وها هو سبتمبر بين ظهرانينا يعيد ما وقع فيه من أحداث ويعد ما سقط فيه من حراس وما دقت فيه من أجراس، ومن كبوا فيه (الجرسة)، وأولهم كان سيد سبتمبر وصاحب الفاتح منه معمر القذافي الذي أراد أن يغطي على احمرار الدم في مملكته باخضرار كتابه، فانتهى كتمثال جبص باكيا ومستعطفا والمستذئبين من أفراد شعبه يمصون دمه أمام الدنيا والعالمين.
ولا يأتي سبتمبر إلا وتتداعى لكل العالم ذكرى برجي التجارة في نيويورك لما خرج مارد العنف من قمقمه فاجتاح كل الكرة الأرضية وأبان الكره الدائري فلم يعد العالم كما كان قبله أبدا.
إن 11 سبتمبر يبقى تاريخ مولد العنف الحديث الحقيقي، وبداية الفصل الأكثر دموية ما بعد الهدنة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
ولا ينسى الأردنيون ولا الفلسطينينون أحداث سبتمبر في بداية السبعينيات لما أصبحت عمان على مطر الدم، وتلك الحقبة أخرجت فيما بعد فصائل فلسطينية وشعرا فلسطينيين قادوا مقاومة السلاح، فأنشد منشدهم:
أنا يا أخي أمنت بالشعب المضيع والمكبل
فحملت رشاشي لتحمل بعدي الأجيال منجل
ولا يزال ذلك ما يدعيه الثوار والخوارج معا
وهل ينسى الناس ما كان في سبتمبر خلا لما استيقظ الناس ذات صباح مبلول بماء المطر، ليجدوا رأس صحفي ملأ الدنيا وشغل الناس مقطوعا وموضوعا على ظهره.. كان ذلك محمد طه محمد أحمد الذي لا يزال الناس ينتظرون سيرته ولا تزال أجيال من ناشئة الصحافة يحتاجون لكي يدرسوا قصة رجل كان يتكئ على أوراقه، فيخرج جل الصحيفة لوحده بحروف غير مكررة وجمل غير متشابهة، ولغة لا تمل، ولقد زاملته متدرباً في (ألوان)، وخربشت معه قصة وأخريات في (الوفاق)، لكن أخي جمال حسن سيكون أفضل من يكتب عنه هنا فهلا فعل؟!
وكان زميلنا في المدرسة يخلط دوما ما بين سبتمبر وديسمبر ثم يتعلل بأنها كلها شهور.. نعم يا عزيزي إنهما من نخلة واحدة، غير أن العجوة ليست كالبلح..