حوارات ولقاءات

حوار مع صاحب العمر الضائع..السوداني “ابو كساوي” يروي معاناة (9) سنوات من الإعتقال في السعودية


حمد النيل أبو كساوي، واحد من مئات السودانيين الذي إمتهنوا التجارة (تجارة الشنطة)، بعد أن منحتهم الدراسة الجامعية (شهادة) لا تصلح إلا لأغراض (البروزة) وتزين الجدران، وبدلاً من إنتظار وظيفتها، إعتمد على نفسه بحثاً عن الرزق الحلال في شتى بقاع الدنيا، حتى قادته الأقدار إلى الإعتقال (9) سنوات بالسجون السعودية، دفعها من عمره دون أن يدري أي ذنب إرتكب،(ألوان) حاورته من مقر إقامته بقاهرة المعز، حيث يتابع الآن قضيته ضد الذين تسببوا في إفناء زهرة شبابه بالمعتقلات، ومن بينهم، الشخصية التي جعلت صاحبة الجلالة برغم إمتلاكها لجرأة كشف الحقائق أن تغيب بعضها طائعة مختارة، فإلى مضابط الحوار الذي أرهقنا وأرهقة كثيراً

< حدثنا عن الكيفية التي تمت بها عملية إعتقالك…؟ عند توجهي من مطار دمشق إلى جدة، هبطت الطائرة التي كانت تقلني بمطار المدينة عن طريق (الترانزيت)، وطلب طاقم الطائرة من الركاب الذين يقصدون المدينة في رحلتهم النزول، ومن بقية الركاب التواجد داخل الطائرة، قبل أن يطلبوا منا جميعاً النزول من الطائرة للركوب في أخرى، وأثناء إنتقالي من الصالة إلى صالة مجاورة في ذات المطار، تم إلقاء القبض علي بحجة أن هنالك خطا ما في الباسبورت. لحظة إعتقالك هل كنت (مُلتحي) أو ما شابه ذلك…؟ بالعكس، لم يكن لدي أي لحية، وظللت طوال حياتي أحتفظ بملامح وجهي دون لحية، فنحن من أسرة صوفية، حتى صورتي المرفقة بالباسبورت كانت كذلك، بالإضافة إلى أنني كنت أرتدي ملابس عادية، بنطال (بُني) وقميص (كاروهات). إذن صف لنا شعورك لحظة القبض عليك من المطار…؟ الوضع كان عادي بالنسبة لي، بإعتبار إنه ما في إشكالية كبيرة، مجرد إجراءات روتينية من سلطات المطار، وسأذهب إلى حالي، لم يخطر على بالي أي شعور آخر، سوى القلق الطبيعي بأنني تأخرت عن موعد الطائرة، وكان لدي يقين تام أنهم بعد مراجعة الباسبورت سيتركوني، لكن بعد قرابة الساعتين تم إقتيادي إلى سيارة الشرطة ووضعت الكلبشات على يدي والشريط الأسود على عيني، شعرت حينها بأن الأمر ليس على ما يرام. هل كنت تدري إلى أين أنت ذاهب بعد أخذك من المطار…؟ بالتأكيد لا، لم أكن أدري لأنهم أخذوني في سيارة مغلقة لا توجد بها أي إضاءة، بالإضافة إلى أنهم كانوا يضعون الشريط الأسود على عيني، لكي لا أرى أي شيء، فالوضع كان مبهماً جداً ومخيف خالص، لأن مسار رحلتي قد بدأ يتغير. وما الذي حدث معك بعد وصولك إلى مكان التحقيق…؟ بمجرد وصولي، تركوني في غرفة خالية من أي أثاث، اللهم إلا من كاميرا مراقبة وضعت أعلى السقف ينظرون من خلالها على تصرفاتي، ثلاثة أيام وأنا متواجد بهذه الغرفة شديدة البرودة (يوجد بها تكييف عالي)، لا أحد يتحدث معي سوى عسكري يأتيني في ميعاد كل وجبة يسألني ماذا تريد أن تأكل؟ يأخذ ثمن الأكل من جيبي ويذهب، فخلال هذه الأيام الثلاث لم أستطع أن تذوق للأكل أي طعم، فكنت أخذ (لقمتين) والثالثة أرجعها. وبعد إنقضاء الثلاثة أيام ماذا حدث…؟ بعد ثلاثة أيام قضيتها بملابسي التي كنت أرتديها منذ لحظة الإعتقال، تم عرضي على المحقق الذي سألني عن إسمي ومكان عملي وغيرها من الأسئلة التي تطرح في التحقيقات. فما هي التهمة التي وجهت لك بالضبط…؟ قالوا لي أن الباسبورت الخاص بي مليئ بالتاشيرات، وبما أنني كنت في سوريا لا يستبعدون ذهابي إلى العراق، وسألوني مباشرة إذا ما كان لدي أي صلة بالتنظيمات الإرهابية هناك، وإستمرت الأسئلة على هذا النهج، هل لديك علاقة بتنظيم القاعدة؟ هل أنت سوداني فعلاً؟ نحن نشك في إنك قمت بتزوير هذا الباسبورت، ولم يتوانوا في إتهامي بأسماء على شاكلة أنت (حبشي)؟ أم أنت (الحلو)؟ وأذكر في الأسبوع الأول بعد مواجهتهم لي بتهم غريبة، طلبت من المحقق الإتصال بمندوب من سفارتي لأنني لا أملك أي رد على هذه الإتهامات سوى (لا أعرف). ماذا حدث بعد أن طلبت منهم الإتصال بالسفارة السودانية…؟ هذا الطلب أربكهم جداً، ورسم الحيرة وملامح (الجهجهة) على وجههم، وكان ردهم بأن موضوعي أصبح منتهياً، وأنهم خلال يومين سيطلقون سراحي فالأمر لا يحتاج للسفير، ثم بعد ذلك تغيرت المعاملة تماماً، وبعد عشرة أيام تقريباً نقلوني إلى زنزانة متهالكة ومتسخة للغاية، وبدأت صيغة التحقيق كذلك تتغير، وأصبحوا يقولون نحن ليس لدينا محامي هنا، وما في سفير سيأتي إلى هذا المكان، وممكن نقتلك إذا تحدثت معنا في أي شيء، وبعد شهرين تقريباً قال لي أحد المحققين نحن تعرفنا عليك، قلت له الحمد لله لكي تحل هذه المشكلة. وهل فعلاً تعرفوا على شخصيتك أم كانت مراوغة منهم؟ الطريف إنه قال لي: نحن وجدنا في حقيبتك، قطعة كبيرة من مادة الـ(TNT)، طبعاً أنا إستغربت قبل أن اسأله ما هذه المادة؟ أجابني هو الآخر بسؤال، أنت لا تعرف الـ(TNT)، قلت له بالطبع لا أعرفها، قال لي هذه عبارة عن مادة شديدة الإنفجار، فأجبته ضاحكاً نعم هذا الحديث (مظبوط)، وأنا أخذت هذه القطعة من السودان بغرض الإستخدام الشخصي، خرجت بها من مطار الخرطوم، ودخلت بها إلى مطار دبي، وخرجت من مطار دبي، إلى مطار دمشق، ثم أتيت بها إلى مطار المدينة، ودخلت بها هذا المعتقل وبعد شهرين أنتم إكتشفتمونها، فضحك ضحكاً شديداً كاد أن يقع من الكرسي، وهذا أكبر دليل على أنهم يرغبون في تلفيق أي تهمة للشخص والسلام. هل تعتقد أن السفارة كان لديها علم بما يحدث لك…؟ إذا إفترضنا أن السفارة السودانية في فترة إعتقالي الأولى ما كان لديها علم، يمكن لهذه المسألة أن تستمر أسبوع أسبوعين أو شهر بالكثير، لكن أن يظلوا مكتوفي الأيدي حتى بعد أن رفعت أسرتي خطاب رسمي للخارجية السعودية التي بدورها خاطبت السفارة السودانية في الرياض، هذا موقف محير للغاية، خصوصاً أنهم بعد ذلك أصبح لديهم ملف رسمي حول قضيتي، لكن بالرغم من علمهم لما يحدث لي لم يزرني أي مسؤول سوداني سواء من السفارة أو غيرها، في الحين الذي كنت أرى فيه أمامي عدد كبير من الجنسيات الأخرى يتم الإهتمام بهم من قبل بلدانهم، فمثلاً كان معنا في السجن معتقلين من بنغلاديش وغيرها، كان يأتي السفير بنفسه للإطمئنان على أحوالهم الشخصية، أما أنا كسوداني لم يأت لزيارتي أي أحد، فالسفارة السودانية في الرياض كان موقفها موقف سلبي جداً تجاه قضيتي. بعد كم من إعتقالك سمحوا لك بالإتصال على أهلك…؟ بعد أن مضت سبعة أشهر، وأنا أطالب بالإتصال على أهلي بصورة يومية، حتى أضربت عن الطعام لمدة خمسة أيام، بعدها سمحوا لي بإجراء إتصال داخلي، مع شخص من داخل المملكة، فأبلغت أحد أقربائي بما حدث لي، أبلغ أسرتي بالخرطوم أنني إعتقلت من مطار المدينة بالمملكة العربية السعودية. وماذا فعل أهلك بعد تبليغهم…؟ بدل ما يحزنوا إني أعتقلت، ذبحوا الذبائح ووزعوا الحلوى والمشروبات الغازية، إبتهاجاً بأنني مازلت على قيد الحياة، كانوا يظنون كل الظن بأنني فارقت هذه الفانية، بعدها تحركوا في الإجراءات مع السفارة السعودية بالخرطوم. هل كان معك سودانيون آخرون في المعتقل…؟ في الفترة الأولى للإعتقال لم ألتق سوى سوداني واحد، إسمه إسلام محمد علي، ويمكن لم يمكث في السجن سوى شهرين أو ثلاثة، بعدها تم ترحيله إلى السودان، لكن بعد خمس سنوات من الإعتقال تم نقلنا إلى معتقل السجناء الأجانب، فقابلت هناك مجموعة من السودانيين وكنا نقييم في غرفة واحدة، بعضهم أطلق سراحه، ، وأذكر أن أحد السودانيين خرج منذ فترة قصيرة من المعتقل، وهو مصاب بإختلال عقلي بسبب إدمانه للأقراص النفسية أثناء فترة تواجده بالمعتقل. بعد أن مضت السبعة أشهر الأولى ماذا حدث…؟ لم يحدث أي شيء جديد، يمكن الأمر إتفرج شوية، والواحد بقى في جماعي، ما في سجن إنفرادي، مع مجموعة من الناس، وإستمرت التحقيقات، إلى أن قام الأهل في الفترات الأخيرة بالإجراءات الإعلامية، والمظاهرات أمام السفارة السعودية، بعد ما رفعوا خطاباتهم إلى كل جهة متاحة. المدة التي قضيتها تقسمت إلى كم معتقل؟ منذ لحظة إعتقالي من المطار إلى لحظة الإفراج عني، تقريباً تنقلت إلى خمسة معتقلات، معتقل المدينة المنورة ومنه إلى سجن (الرويس) في جدة، بعد ذلك إنتقلت سجن (دهبان) في جدة كذلك، ثم إلى سجن أبها الذي يسمى بمعتقل (شعار)، ثم بعد ذلك ذهبت إلى الرياض للمحكمة في سجن مركزي موجود هناك، بعد تنقلات كثيرة ورحلة معاناة لا مثيل لها. بعد كم من الزمن بدأت محاكمتك؟ بعد تسع سنوات تقريباً من تاريخ الإعتقال، وفي الجلسة الأولى للمحاكمة عرض المدعي العام التهم التي وجهت لي، وأوضح القاضي أن من حقي توكيل محامي للدفاع عني، وكان ردي على التهم الموجه لي بالنفي القاطع، فرفع القاضي المحاكمة إلى الجلسة القادمة التي كانت بعد أسبوع من الأولى، مطالباً المدعي العام أن يأتي بأدلة الإتهام، وفي هذه الجلسة إتضح إن المدعي العام لا يملك دليلاً على التهم، فسأله القاضي هل لديك أي إضافة قبل أن يقول أنتم ليس لديكم أي دليل إدانة على هذا الشخص، فرفعت الجلسة وحدد الأسبوع الذي يليه للنطق بالحكم، وبدلاً أن تكون الجلسة بعد أسبوع عقدت بعد أسبوعين تقريباً، وكان الحكم ببراءتي عن التهم المنسوبة لي لعدم كفاية الأدلة. بعد أن صدر الحكم بهذه البساطة كيف كانت ردة فعلك…؟ الطريف في الأمر أن القاضي بعد أن أصدر الحكم بالبراءة، حاكمني بشهر سجن للشبهة والحق العام، بعدها عدل القاضي من حكمه، وجلس معي لأكثر من نصف ساعة، قائلاً: أنه إقتنع ببراءتي، وأن الدولة أخطأت في حقي، وأنا أحد ضحايا الحرب على الإرهاب، لذلك أتمنى أن لا يكون في نفسك حقد على الدولة، وأنت من حقك أن تتطالب بحقوقك كاملة بعد اليوم، وتعويضك عن كل الفترة التي مكثتها في المعتقل، وكل المعاناة التي عانيتها خلال هذه السنوات، بعد ذلك أرسل الحكم النهائي إلى محكمة الإستئناف التي ظل بها لقرابة الثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك صدق على الحكم من قاضي الإستئناف بالبراءة وإخلاء السبيل. ونواصل ..الخرطوم/ القاهرة: أكرم الفرجابي- صحيفة الوان


‫8 تعليقات

  1. السفارات السودانية ليس لها اي علاقة بالجاليات السودانية في المهجر وانما عمل العاملين في السفارات التجارة والسمسرة والترتبات لزيارات كبار المسؤلين من رجال الحكم .

  2. صدقت والله يا ابو حنفي …. وبالذات سفارة السودان في المملكة العربيه السعوديه … لذلك نطالب اما بتغيير كل اعضاء السفارة او الغاءها .

  3. اقتباس

    لا أحد يتحدث معي سوى عسكري يأتيني في ميعاد كل وجبة يسألني ماذا تريد أن تأكل؟ يأخذ ثمن الأكل من جيبي ويذهب،

    دل،،دل،،، ياراجل استحي ،،،،،، اختشي ،،،، ما تبالغ ،،،،، ما للدرجة دي .

  4. اوعي ثم اوعي تتوقع زول يصدق القصة دي
    شوف ليك سيناريو تاني يمكن ينبلع مع بيبسي بس دي صعب تصديقها

  5. السلام عليكم. …
    بداية لك الشكر الجزيل استاذ أكرم الفرجابي. .
    القصة حقيقيه وفيها من التفاصيل أغرب من ذلك بكثير …
    وأنا صاحب القصه وعندي كل المستندات على ذلك.
    أرحب بكل من يريد التواصل معي علىtookyhamad56@gmail.com
    حمدالنيل ابوكساوي محمد.

  6. والله يا حمد النيل انا شخصيا بصدق لان شفت هولاء السفله هاتكي العروض ومشردي العوائل فانعم بالراحة مع حقوق الانسان الذي يوفرون لك الراحة النفسية ولا تنسى قضيتك اصلا طاردهم الى تدخل القبر ..
    وانت الان في الغرب تحرك بكل الوسائل لمقاضتهم …