الصادق الرزيقي

نحن والصين..


> يجب أن يستفيد السودان من التجربة الصينية في الإصلاح والبناء والنهضة الاقتصادية الحديثة المتسارعة، وهي تسير بوتيرة قوية وراسخة. فإذا كانت زيارة الرئيس البشير الحالية للصين قد أقرَّت التوجهات الرامية لتقوية الشراكة الإستراتيجية مع هذا البلد العظيم، صاحب ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن الضرورة وطبيعة الحال تقتضي أن تلامس ملامح ومعالم هذه الشراكة، وتوضع أسسها بدقة وتحدد مجالاتها. فالصين شريك اقتصادي كبير للسودان، ولم تشهد العلاقة بين البلدين منذ التئامها في خمسينيات القرن الماضي، ثم تبادل البعثات الدبلوماسية، أية توترات من أي نوع، وتحقق فيها الكثير خلال عهود الحكم الوطني المختلفة، لكن لم تصل إلى مرحلة من المتانة والقوة كما هي عليه الآن.
> هناك شراكة فعلية في المجال الاقتصادي خاصة استخراج وصناعة النفط، وتوجد شراكة سياسية بين الحزبين الحاكمين في البلدين المؤتمر الوطني والحزب الشيوعي الصيني، ولكن أن تتأسس الشراكة الإستراتيجية فهذا يعني الكثير. فللصين علاقة اقتصادية وثقل سياسي دولي وحليف لا يمكن الاستهانة به، فإذا كان القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت قد قال قبل مائتي عام (التنين الصيني نائم أحذروا أن توقظوه)، فإن هذا التنين الضخم قد استيقظ ونهض متمطياً ومتمدداً في كل آسيا والفضاء العالمي، وتحرك بسرعة كبيرة، وعمَّا قريب سيكون الاقتصاد الصيني هو الأول في العالم.
> في مدارسة قبل شهرين أو ثلاثة من الآن، كان المسؤولون في قيادة الحزب الشيوعي الصيني يقولون لنا في لقاء طويل بالعاصمة بكين، إن كلمات السر في النهضة الصينية الحالية كثيرة أهمها إن (الزعيم التاريخي الكبير ماو تسي تونغ) علَّم الصينيين قوة الإرادة وعدم التباهي بالمعرفة والتواضع حتى يكتسبوا العلم من الآخرين ويلتقطوا الحكمة والتجربة والخبرة والمعلومات أينما كانت، وعدم الترفُّع في سبيلها حتى يحصلوا على ما يريدون. لذا ظلت الصين رغم تقدمها وتفوق اقتصادها وحصولها على عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، واحدة من خمس دول للقوة العظمى في عالم اليوم، وواحدة من مجموعة الثماني الكبار (G8)، ظلت تقول وتعلن إنها من دول العالم الثالث.
> فكيف بنى هذا البلد العظيم نهضته..؟ ولماذ لا نستفد منه؟ هي أسئلة تمثل الإجابة عنها هي معرفة التحدي الذي أمامنا ونحن نتعامل مع الصين. فقبل ثلاثين سنة كانت الأوضاع في الصين مشابه لما نحن عليه اليوم، ولم تكن إرادة النهوض وارتياد الآفاق البعيدة كما هي عليه اليوم، فقد اعتمد هذا البلد على منهج وأفكار جديدة قفزت به إلى المقدمة في سنوات قليلة بعد أن كان يتخبَّط في التخلُّف الإداري، والفساد وصعوبات جمَّة واجهت الدولة وأقعدت بها، ولكن كل ذلك الغبار قد تمت إزاحته ونفضه، وغربل الحزب الشيوعي صفوفه واعتمد منهجاً قويماً في الإحلال والإبدال وأسلوب سلمي في تداول السلطة داخل الحزب دون خلافات أو أجنحة أو استمساك مرضي بكراسي الحكم، واستطاع الحزب والدولة في فترة وجيزة تقديم القدوة السياسية والتنفيذية وقيادة الانفتاح الاقتصادي الذي راعى المصالح العليا للدولة والمجتمع وتم تأهيل القوى الاجتماعية والكوادر السياسية والشعبية لقيادة المبادرات وتهيئة المجتمعات المحلية والقاعدية على فرض قضاياها وسلطتها المستمدة من الدستور ومعرفة كيفية تحقيق الإنتاج وتحسين الأوضاع المعيشية وفتح بوابات الصعود نحو النهضة الاقتصادية التي تبدأ من المنتجين في أسفل القاعدة تتصاعد إلى القمة.
> ففي التجربة الصينية ثراء لا حد له، علينا بالاستفادة منه في تطوير النظام الإداري للدولة وحشد الإرادة الوطنية وتحفيز الفرد على العمل وفرض قيم الإنتاج والتطور والكسب الصحيح، وتعزيز الكفاءة العملية لأجهزة الدولة حتى تستطيع إحكام وإنفاذ القانون والسياسات، واستلهام الميزات والخصائص التي تميز بها التاريخ الوطني والمعتقد والثقافة في إدارة وبناء الدولة وتحصين المجتمع.
> فزيارة السيد الرئيس هذه المرة ومعه وفد كبير يجب أن تتفوق هذه المرة على سابقاتها، وأن يعودوا ومعهم الشفرة الكاملة التي جعلت بلداً يشبه حالنا في جوانب عديدة يخرج من الحضيص إلى القمة، ومن السفوح إلى أعالي الفضاء..