تحقيقات وتقارير

هل يدخل السودان في مواجهة مع الاتحاد الأفريقي؟


في خطوة مفاجئة أعلن رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” رفضه أي قرار بنقل الحوار الوطني إلى الخارج. وقال: (أنا رئيس الحوار، ولن يأتي شخص رئيس لي). ويرى مراقبون أن التصريح الذي أطلقه الرئيس من الصين العضو الدائم لمجلس الأمن الدولي وصاحبة النفوذ الاقتصادي الكبير والعلاقات المتميزة مع السودان، ربما يعود إلى أن الصين قد منحت “البشير” الضوء الأخضر، بتأكيدها الوقوف معه حال رفع القرار إلى مجلس الأمن الدولي. ولكن الصين امتنعت في وقت سابق عن التصويت، مع أنها قد هددت باستخدام حق الفيتو ضد قرار المجلس في قضية المحكمة الجنائية الدولية. احتمال آخر هو أن الرئيس – ربما – أراد إرسال رسالة استباقية إلى الاتحاد الأفريقي الذي يسعى إلى نقل الحوار إلى خارج البلاد. وكان الرئيس قد أطلق الحوار الوطني في السابع والعشرين من يناير في العام 2014م، وتم تكوين آلية (7+7)، كآلية تنفيذية، ولكن سرعان ما انسحب منها حزب الأمة القومي عقب اعتقال رئيسه “الصادق المهدي” ثم تبعه حزب حركة الإصلاح الآن برئاسة “غازي صلاح الدين”، ومنبر السلام العادل برئاسة “الطيب مصطفى”، قبل أن يعود مجدداً إلى الحوار الوطني. ورفضت قوى الإجماع الوطني المعارضة، والحركات المسلحة المسلحة، المشاركة في الحوار الوطني منذ انطلاقته، فيما تمسك حزب المؤتمر الشعبي برئاسة زعيمه دكتور “حسن عبد الله الترابي” بالحوار الوطني، ومع ذلك فإن الحزب لم يخفِ عدم رضاه عن بطء عملية الحوار. وقد تبدى ذلك في تصريحات تصدر من حين لآخر، من أمينه السياسي “كمال عمر عبد السلام”، تعبر عن امتعاض الحزب من تأخير الحوار الوطني.
وتعهد رئيس الجمهورية “عمر البشير”، في تصريحات أدلى بها مؤخراً، من الصين التي يزورها حالياً، تعهد فيها بتمزيق أي قرار يصدر من مجلس الأمن الدولي بشأن الحوار الوطني، ورفض أي اتجاه للتنازل عن رئاسة لجنة الحوار لصالح أي جهة أخرى. وجدد تمسكه بعدم نقل العملية للخارج.
وكان مجلس السلم والأمن الأفريقي، قد طالب في أغسطس الماضي، في أعقاب زيارة له للبلاد، بوقف إطلاق النار في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور، ودعا الحكومة والمعارضة إلى لقاء تحضيري بمقر الاتحاد الأفريقي في “أديس أبابا” برعاية الآلية الأفريقية تمهيداً لبدء حوار وطني شامل، والتوصل لاتفاق بإنهاء الحرب في المنطقتين ودارفور في فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر . وجدد “البشير” لدى مخاطبته الجالية السودانية في “بكين” (الجمعة) الماضي، دعوته لحاملي السلاح للعودة إلى طاولة الحوار، مشيراً إلى مرتكزات الحوار التي يجب الالتزام بها. وأكد الرئيس أنه (لا مجال لتحويل مسار الحوار إلى خارج السودان وسيكون الحوار سودانياً بالكامل). ووعد بأن تقدم الحكومة الضمانات الكافية لمن يرغب في المشاركة في الحوار بالخرطوم من الحركات المتمردة. وتوقع أن يحيل مجلس السلم والأمن الأفريقي قراره بشأن عملية الحوار الوطني إلى مجلس الأمن الدولي، متعهداً برفض مخرجاته. وزاد: (إذا أصدر مجلس الأمن أي قرار بشأن الحوار سنشرطه كما شرطنا غيره من القرارات). ويعبر خطاب الرئيس عن أزمة بدأت تدخلها الحكومة في علاقتها بالاتحاد الأفريقي ونذر مواجهة مع المجتمع الدولي، يشكل مجلس الأمن والسلم الأفريقي واجهة له. وهي قد لا تنحصر في هذا الإطار، وإنما يتوقع لها أن تتصاعد، وهو ما يمكن استنتاجه من الموقف الاستباقي الذي عبر عنه الرئيس. وهو ما ينظر إليه المراقبون من زوايا مختلفة، من حيث تطوراته المحتملة وتداعياته.
فقد رأى المحلل السياسي البروفيسور “الطيب زين العابدين” خلال حديثه لـ(المجهر) أنه ليس من الحكمة أن تستعجل الحكومة السودانية الدخول في مواجهة مع الاتحاد الأفريقي، لأنه يعتبر سندها الوحيد، وأنه وقف مع السودان في كافة المواجهات التي فرضت عليه، خاصة ملف المحكمة الجنائية الدولية والحصار الاقتصادي. وقال البروفيسور “زين العابدين” إنه من المتوقع أن يرفع مجلس السلم والأمن الأفريقي تقريره إلى مجلس الأمن الدولي بنتائج زيارته إلى السودان، عقب انتهاء المدة المحددة التي يرى أنها كافية للسودان لاتخاذ القرار الصحيح. وأضاف: أن كل الاتفاقيات التي وقعها السودان مع الحركات المسلحة تمت خارج البلاد، سواء اتفاقية أبوجا للسلام التي وقعت مع “مني أركو مناوي” في العام 2005م أو اتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية، والاتفاق مع التجمع الوطني بالقاهرة، وغيرها. وأشار إلى أن السودان حالياً يتوسط لحل مشكلة جنوب السودان في “أديس أبابا”، فليس غريباً أن تتم مناقشة قضاياه في الخارج، في المؤتمر التحضيري أو ما قبل الحوار في الخارج وليس سابقة خطيرة، أن يوافق السودان على نقل المفاوضات إلى الخارج لاسيما أن الاتحاد الأفريقي كان الظهر القوي للسودان، عكس الجامعة العربية التي لم تكن لديها مواقف واضحة في أزمات السودان .وأردف : إذا دخل السودان في مواجهة مع الاتحاد الأفريقي فسيكون ارتكب خطأ سياسياً وإستراتيجياً كبيراً.
من جهته توقع المحلل السياسي دكتور “محمد عبد الله الدومة” في حديثه لـ(المجهر) أن تتراجع الحكومة لاسيما أن المدة الزمنية التي تم تحديدها بتسعين يوماً، كافية لمراجعة الموقف والتراجع عنه. وأضاف سبق أن تراجع السودان في قرارات مماثلة واستشهد بالمثل الشعبي (تاباها مملحة بعد شوية تأكلها ناشفة)، ليخلص منه إلى أن بعض القرارات التي يتم رفضها تضطر الحكومة للقبول بقرارات أصعب منها لاحقاً. وقال إن التجارب كثيرة في ذلك. وتابع إنه لا يوجد حل غير أن توافق الحكومة على قرار الاتحاد الأفريقي أو أن تقدم تنازلات في الخفاء. وأشار إلى أن الحكومة تؤمن بنظرية السلطة التي إما أن تحصل عليها كلها، أو أن لا توافق على أي حوار، سواء بالداخل أو الخارج، لا يؤمن امتلاكها لكامل السلطة .
وواصل “البشير” أثناء مخاطبته الجالية السودانية ببكين: (أنا رئيس لجنة الحوار ولن يأتي شخص ليترأس الحوار ويكون رئيساً لي سواء أكان من الاتحاد الأفريقي أو أي جهة ثانية).
وتوترت العلاقات بين الخرطوم والاتحاد الأفريقي عقب استماع مجلس السلم والأمن الأفريقي، الشهر الماضي، لتحالف قوى (نداء السودان) المعارض، في سابقة نادرة باستقبال جهة غير حكومية، ما أثار حفيظة الخرطوم التي لوحت بأنها ستحتج رسمياً على الخطوة بوصفها تجاوزاً خطيراً للوائح وأعراف الاتحاد الأفريقي.
وقالت آلية الحوار الوطني (7+7)، إن لجانها فرغت من دراسة بيان مجلس السلم والأمن الأفريقي بشأن الحوار، وينتظر أن تصدر بياناً خلال ساعات لتوضح موقفها الرسمي.
وقال الرئيس “البشير” إن دارفور الآن آمنة ولا وجود للحركات فيها بعد أن فقدت قوتها العسكرية جراء الضربات التي وجهتها لها القوات المسلحة. وأوضح أن حركة “مناوي” خارج السودان وتوجد قواتها على الأراضي الليبية تقاتل إلى جانب قوات “حفتر” نظير مبالغ مالية، وحركة “عبد الواحد نور” محاصرة في منطقة جبل مرة وحركة العدل والمساواة لا تملك أي قوة بعد تدميرها أخيراً.
وأضاف أن التمرد في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان في أسوأ حالاته نتيجة لما يدور في جنوب السودان، وأكد أن 2016 هو عام السلام الذي يحتاج لكثير من التضحيات.
ونبه إلى أنه بعد نهاية فصل الخريف ستتجه الحكومة لنزع السلاح غير المصرح به من أيدي المواطنين في مناطق انتشار الأسلحة في دارفور. وفي السياق اعتبر “البشير” أن الجالية السودانية متقدمة إذا ما قورنت بنظيراتها، ووعد بحل المشكلات المتعلقة بالتعليم بتقديم المناهج الدراسية والمعلمين لقيام مدرسة سودانية بالصين.

وبحسب خبراء فإن هناك استحالة لدخول السودان في مواجهة مع الاتحاد الأفريقي، حتى لو وجد ضمانات من الصين في مجلس الأمن الدولي حال إحالة الملف إليه.

المجهر السياسي


‫2 تعليقات