الطيب مصطفى

واجبنا تجاه اللاجئين السوريين


أشعر بالفخر أن تفتح دولتنا – حكومة وشعباً – رغم ظروفها الاقتصادية والأمنية الضاغطة ذراعيها لإخواننا السوريين الذين تعرضوا في بلادهم ولا يزالون لأبشع أنواع التقتيل والتنكيل والتشريد في التاريخ الحديث، وسأتعرَّض بعد قليل لما ينبغي أن نفعل لتخفيف أهوال تلك المأساة على من قدِموا إلينا، وقبل أن أتحدث عن “الإسلاموفوبيا” أو الخوف المرضي من الإسلام الذي يعشعش في عقول الدول الأوربية التي تستقبل هذه الأيام أمواجاً بشرية من اللاجئين السوريين، أود أن أعبر عن دهشتي وصدمتي من تخاذل الدول العربية وإحجامها عن احتضان أولئك اللاجئين الأمر الذي اضطرهم إلى المجازفة بحياتهم وركوب البحر بالمراكب والسنابك وبغيرها من الوسائل غير المأمونة هرباً من الموت المجاني الذي يفتك بهم في أرض الشام العزيزة.
يأبى الله العزيز إلا أن يخرج أضغان بعض زعماء أوروبا وسياسييها ويكشف ما تنطوي عليه نفوسهم من لحن القول الذي يخرج من ألسنتهم بل بصريح القول وهم يتجادلون حول ما ينبغي أن يفعلوا بشأن نساء سوريا وأطفالها وشيوخها الذين اضطرتهم الحرب والموت الذي يفتك بهم في بلادهم إلى البحث عن المأوى والأمن في أوروبا .
رئيس وزراء المجر قالها بصراحة لم نعهدها فيهم وهو يعترف بالصوت والصورة: (إن اللاجئين السوريين يعتنقون ديناً آخر ومن شأن السماح باستقبالهم أن يغير هوية أوروبا المسيحية)!!!
كنا نعلم من قديم لماذا رفضوا ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي رغم أنها ظلت جزءًا من حلف شمال الأطلسي لعشرات السنين بينما لم يترددوا في قبول دول أوروبا الشرقية بمجرد أن خرجت من قهر الشيوعية جراء انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي، فهؤلاء يخشون الإسلام والمسلمين ويرفضون التنوّع الذي يمكن أن يؤثر في نسيجهم الاجتماعي وتجانسهم ومرجعياتهم الثقافية والإثنية.
الرئيس الفرنسي أولاند تحدّث بحرج بالغ بعد مأساة الطفل السوري الذي قذف الموج جثته مما صوّرته عدسات الإعلام وهز الضمير الإنساني العالمي، فتحدث عن ضرورة توزيع المائة ألف لاجئ الذين اندفعوا نحو الشواطئ الأوربية بين دول الاتحاد الأوروبي الـ 28 باعتبار أن العدد أكبر من أن تستوعبه دولة واحدة في أراضيها! تخيلوا ذلك ونحن الفقراء يتجاوز عدد لاجئي الدول الأجنبية الأخرى الملايين!
أنه الخوف المرضي من الإسلام فهل نعي الدرس أم نظل نلوك عبارات الإعجاب بحضارتهم وثقافتهم التي يزعمون أنها (تقبل التنوع) وتمجد (الوحدة في التنوع) ولا تعادي الإسلام ولا تفرّق بين الناس على أساس الدين وغير ذلك من المقولات المفخخة التي لم تصمد في يوم من الأيام أمام البرهان الساطع والتجريب العملي .
لكن ما بالنا نوجّه اللوم لأوروبا المسيحية، ونسكت عن خزي العرب والمسلمين الذين ترفض دولهم استقبال إخوانهم في الدين حتى يضطروا إلى تجرّع ذلك الذل والهوان في أوروبا؟ الحديث عن هؤﻻء يطول.
اتخاذنا مواقف ضد سياسات حكومتنا ومعارضتنا إياها لن تثنينا عن الإشادة بموقفها تجاه الإخوة السوريين الذين أصدرت الأوامر والتوجيهات لاستقبالهم ومعاملتهم معاملة المواطنين السودانيين.
لقد هزني الخبر الذي أرسله سفيرنا بالعاصمة القطرية (الدوحة) عن تخصيص جزء كبير من خطبة الجمعة الماضية في أحد أكبر المساجد في تلك الدولة للحديث عن موقف السودان حكومة وشعباً تجاه اللاجئين السوريين مما وجد استحساناً من المصلين العرب وغيرهم والذين أجهش بعضهم بالبكاء.. أن يقدِم السودان على اقتسام اللقمة رغم شظف العيش مع الشعب السوري بينما يتمنع المترفون الكانزون للمليارات ممن لا تحرجهم صور الغرقى والموتى في الشواطئ الأوربية من الذين خرجوا او أخرجوا من ديارهم وأموالهم بحثاً عن ملاذ آمن ينقذهم من آلة الموت التي حصدت وشردت ولا تزال الملايين من بني وطنهم.
شاهدت رؤساء الدول الأوربية من أمثال المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي أولاند ورئيس الوزراء البريطاني كاميرون يملأون شاشات الفضائيات للحديث عن مأساة اللاجئين السوريين وأرجو من السيد الرئيس وقد فتح أبواب السودان للإخوة السوريين أن يصدر أمرًا بتكوين لجنة عليا تتولى أمرهم فكل ما تم حتى الآن للتعامل مع مأساة هؤلاء اللاجئين لا يعدو مبادرات فردية بالرغم من أن هناك لجنة كونت بمبادرة من (الصيحة)، لكنها لم تنجز إلا القليل لمواجهة تلك المأساة سيما بعد أن أغلقت المطارات الدولية والمعابر في وجه السوريين إلا مطار الخرطوم..فهناك الآلاف من النساء والأطفال يستقبلهم السودان شهرياً وتقصر الإمكانات المتاحة عن استقبالهم وإيوائهم، فهلا قام أبناء (عوج الدرب) السودانيون بواجبهم تجاههم تقرباً إلى الله تعالى وهلا أصدرت الحكومة قرارات أخرى للتعامل مع المأساة؟