مصطفى الآغا

طلعت ريحتكم


لست لبنانيا ولكني قريب منهم لأواصر القربى والجيرة والعادات والتقاليد والاختلاط، ولهذا أفهم أشياء قد لا تبدو مفهومة لمن هم من خارج المنطقة، ولكني مع هذا عجزت عن فهم قصة الزبالة والنفايات (غير النووية)، التي يمكن أن تتحول إلى كيميائية إن بقيت في شوارع وطرقات العاصمة بيروت ولم يتم حلها حتى الآن.

لم ولن أفهم كيف لدولة شعبها يتفاخر بأناقته وعطوره وسياحته التي تشكل تقريبا المصدر الوحيد لدخله، كيف لهم أن يتركوا الزبالة والنفايات في الشوارع، بغض النظر عن الخلافات السياسية بين أهل الحل والربط، لأنهم منذ وعينا على الدنيا مختلفون، وتقاتلوا سنوات طويلة، وشهد لبنان أياما سوداء ثم عادوا نفسهم أو أبناؤهم وأقاربهم أو المقربون لهم للحكم من جديد، مع التدخلات الخارجية التي بدأت مع تأسيس لبنان كدولة.

لم ولن أفهم كيف يمكن لخلافات سياسية أن تجعل من بيده الحل يقبل أن يعيش بوسط (زبالة)، يمكن أن تؤثر في صحته وصحة أولاده وأقاربه، وربما تنشر أمراضا معدية، ناهيك عن الروائح الكريهة التي أجبرت المجتمع المدني على إطلاق حملة “طلعت ريحتكم”، ثم تطورت الأمور لمظاهرات بدأت سليمة ثم اندس فيها من اندس، وتدخل فيها من تدخل، إلى أن وصل الحال إلى الاعتصام داخل مقر وزارة البيئة، والمطالبة باستقالة الوزير الذي دعمته الحكومة بقولها لو استقال فلن يتم حل المشكلة، لأن المشكلة أكبر من ذلك بكثير.

ربما تكون المشكلة أكبر، وربما تكون أصغر، حسب زوايا الرؤية التي سننظر من خلالها لمشكلة قمامة أو زبالة مرمية في شوارع وحارات عاصمة عربية شهيرة، ولا تعيش حربا أو تخضع لاحتلال “لا سمح الله”، وانتهى عقد الشركة المسؤولة عن لمّ النفايات والتصرف بها، واختلفوا هل يرمونها في أماكن خارج العاصمة؟ فقيل إن الحل كمن يكنس الزبالة تحت السجادة، وما بين أخذ ورد وصد وعند، ووسط حرارة آب اللهاب (أغسطس) بقيت أكوام الزبالة على مد البصر، وبقيت رائحتها تزكم الأنوف، ثم جاءت أضرارها التي لم تزحزح أحدا عن مواقفه.

طيب وبعدين؟

كيف يمكن أن نؤمن بالديمقراطية ونحن نرى أنها تؤدي إلى كوارث لا حلول لها، وعلى مدى سنوات طويلة، وهل الديمقراطيات العربية موجودة حتى يتحسر البعض على أيام القبضات الحديدية؟ وهو ما يفعله الملايين عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ بدأ الربيع العربي.. حتى “طلعت ريحتكم”.