مقالات متنوعة

د. جاسم المطوع : ما الأسرار التي يخفيها الزوجان عن بعضهما؟


ما هي الأسرار التي يخفيها الزوجان عن بعضهما؟ وما هي الأسرار التي ينبغي أن نخفيها عن أبنائنا؟ ومتى نكشف السر؟ وهل نكشف الأسرار التي قبل الزواج؟ وهل تحفظ المرأة السر؟ وهل الأفضل تجزئة الأسرار؟ وكيف نتصرف عند اكتشاف السر؟ إن حسن التعامل مع هذه الأسئلة هو الذي يقودنا لنجاح علاقتنا الأسرية.

فالزواج هو العلاقة الوحيدة التي تكشف خصوصية الإنسان وأسراره، ولهذا وصف الله تعالى الزواج باللباس فقال “هن لباس لكم وأنتم لباس لهن”، فاللباس ستر ووقاية وغطاء لما للإنسان من خصوصية وأسرار، وفي بداية الزواج تكون العلاقة بين الطرفين فيها نوع من التحفظ وعدم المكاشفة، فإذا اطمأن كل طرف للآخر ازدادت الشفافية والمكاشفة بينهما، فيعلم كل طرف بتفاصيل وخفايا حياة الطرف الآخر، ويبقى لكل واحد منهما خصوصيته في الحياة، ومن حق الطرف الآخر أن يحترم خصوصية الآخر، وهذا لا ينافي نجاح الزواج طالما أن السر لا علاقة له بالعلاقة الزوجية أو بالأسرة، وقد طرحت سؤالا على المتزوجين من الرجال والنساء، وقلت لهم ما الذي تخفونه عن الطرف الآخر؟ فكانت إجابات الرجال كالتالي:

إن أكثر ما يخفيه الرجال عن النساء (المال)، سواء كان دخله المالي أو مصاريفه، أو ما يملك من ثروات وعقارات وأسهم وغيرها، وجاء في المرتبة الثانية بعد المال إخفاء أسرار (العمل)، ثم أسرار (الأصدقاء)، ثم علاقتهم (بالنساء الأخريات)، ثم (ماضي الزوج)، ثم (أمراضه الصحية)، ثم (مشاكل أهله إخوانه وأخواته)، ثم (الزواج الثاني)، ثم (تبرعاته وصدقاته)، ثم (مشاريعه المستقبلية)، وجاء في المرتبة الأخيرة بأن الرجل (لا يخفي شيئا) على زوجته.

أما إجابات النساء فكانت كالتالي: جاء في المرتبة الأولى (مشاكل أهلها)، فهذا أكثر شيء تخفيه المرأة عن زوجها، ثم (راتبها في العمل)، ثم أسرار (صديقاتها)، ثم (لا شيء)، وهذه جاءت في المرتبة الرابعة عند النساء بأنهم لا يخفون شيئا عن أزواجهن، بينما جاءت بالمرتبة الأخيرة عند الرجال، وفي المرتبة الخامسة تخفي المرأة (حبها القديم قبل زواجها)، ثم يليه (مشاكل العمل) وهذا خاص للعاملات، ثم (ذهابها للسوق)، ثم (أخطاء أطفالها)، ثم (تصرفاتها الخاطئة) مع أهلها أو صديقاتها أو أبنائها، ثم (أسعار ملابسها)، وأخيرا (مساعدة أهلها ماليا).

ولعل الملاحظ من الترتيب السابق أن الأهمية عند الرجال في أسرارهم تختلف عن النساء، ولكل واحد منهما حساباته الخاصة، وإني أعرف زوجة تخفي جميع تفاصيل حياتها عن زوجها، لأنه كان ينقل كل هذه الأخبار لأمه، فلما توفيت أمه صارت تتحدث معه بكل شيء، فالسر يبقى سرا لزمن معين ثم لا يكون سرا لأن صلاحيته تنتهي.

ومن يتأمل في أسباب إخفاء الأسرار بين الزوجين يجد أنها تنحصر في أربعة أسباب: أولها عدم الثقة بالطرف الثاني، لأنه يتصرف بطريقة خاطئة عندما يعرف السر، أو أنه لا يحفظ السر فيكشفه للمقربين من حوله، وثاني سبب هو عدم الأمان من الطرف الثاني، فلربما يكشف له سرا اليوم فيستخدمه ضد صاحب السر في المستقبل، والسبب الثالث أن بعض الناس قد تربى منذ الصغر على ألا يتحدث عن أشيائه وخصوصياته، والسبب الأخير أن البعض لا يكشف عن سره لأنه يعتقد أنه لو كشف عنه فسيكون ضعيفا أمام الآخر، وهو لا يريد أن يكون بهذا الموقف.

وكما أن أسباب إخفاء الأسرار أربعة، فكذلك هناك أربعة أسباب تجعل الزوجين يفتحان حقيبة الأسرار بينهما من غير تحفظ، وأولها لو انتهى موعد السر، كأن تخطب أخت الزوجة فيكتم هذا الأمر حتى تحدد موعد الملكة، فحينها ينتهي موعد حفظ السر ويكشف عنه، وثانيها عندما يختبر أحد الزوجين الآخر بسر فلا يكشفه لأحد، فيكون موضع ثقة فيطمئن له، وبعدها يكشف له باقي الأسرار من غير تحفظ، وثالثها إذا أرغم على كشف السر، ورابعها عندما يشعر أحد الطرفين بالأمان تجاه الطرف الآخر.

فحفظ السر صفة الصالحين المحافظين، ولهذا مدح الله الزوجات الحافظات للأسرار، فقال: “فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله”، وقال رسولنا الكريم “خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك”.

ولكن للمصلحة لا بأس بكشف سر زوجي من أجل استشارة طبيب أو خبير اجتماعي، ولهذا كشفت خولة بنت الأزور رضي الله عنها لسر زوجي طلبا للاستشارة، قال تعالى “قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إنَّ اللَّه سميع بصير”، فقالت يا رسول الله: أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فنزل جبريل بهذه الآية، وقد ذم الله امرأة نوح وامرأة لوط لأنهما كانتا تكشفان الأسرار، قال تعالى “ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين”، وعلى الرغم من كثرة الكلام حول المرأة وحفظ السر، إلا أن السيدة خديجة حفظت سر الوحي، والسيدة أسماء حفظت سر الهجرة، ونساء بايعن النبي على حفظ السر، وللمقال بقية في كيفية التعامل مع أسرار الأبناء ومعرفتها..