عثمان ميرغني

اتصال من بلاد بعيدة!!


اتصل بي ظهر أمس سوداني يقيم ويعمل في دولة من أقاصي الدنيا.. قال لي إنه يتقاضى مرتباً شهرياً (18) ألف دولار أمريكي.. ويتمتع بمنزل جميل في حي جميل وأولاده في أفضل المدارس يتلقون أفضل تعليم.. ومع هذا (لا يحس بطعم الحياة).. والعبارة الأخيرة هذه نقلتها حرفياً من لسانه..
قال لي إنه يعيش بكل وجدانه هنا في السودان.. ويعتصر قلبه الألم على الحال.. ولا يعرف ماذا يفعل ليساعد وطنه وبني وطنه..
هذا الرجل لا يعرفني شخصياً ولم يسبق لي مقابلته.. وبالتأكيد بذل جهداً للحصول على رقم هاتفي الخاص.. ثم بذل مالاً مقدراً ليتحدث معي لأكثر من (20) دقيقة.. أحسست خلالها أن كل حرف ينطق به قادم من صميم وأعماق فؤاده.. وليس وحده فطائفة كبيرة من السودانيين العاملين في المهجر في كل بلاد الدنيا يشاركونه ذات الإحساس.. يتمتعون برغد العيش لكنهم يتقلبون في جمر البُعاد عن الوطن.. وجمر الإحساس بجمر الوطن..
ويمزق قلوب السودانيين المغتربين أكثر أنهم يرون أمام أعينهم أجيالهم اللاحقة من أبنائهم وهم ينبتون في تربة غير تربتهم ويترعرعون فيها.. دون أن يمد الوطن لهم ذراعه ليحتضنهم ويعلموهم حبه.. بكل يقين سينشأ جيل من أصلابنا لكنه لا يعرف عن السودان إلا اسمه..
والله العظيم آلمتني كلما هذا السوداني النبيل عبر البحار.. أحسست فيها أن المغتربين رغم بعدهم إلا أنهم يتابعون أخبار وطنهم بقلوب منفطرة أكثر منا نحن هنا.. ويزيد من الوجع في صدورهم كونهم لا يرون في آخر النفق بصيص ضياء..
هل تصدقوا أن هذا السوداني الأصيل أطلع على ما كتبته هنا في (حديث المدينة) دعوة لتأسيس حزب جديد.. فكان ذلك فقط دافعه بكل ما يتطلبه الاتصال هاتفياً من رهق ووقت.
وليس وحده.. تلقيت اتصالاً من عاصمة أوروبية.. في حوالي الثالثة فجراً.. عز الليل.. قال لي (أدرك أن الوقت متأخر.. وربما أنت نائم.. لكني مُصر على أن أحدثك الآن لأني للتو قرأت ما كتبته.. وأعلن من هنا دعمي المالي والمعنوي للحزب الجديد)..
هذه عينة من عشرات الاتصالات والرسائل التي تلقيتها.. تكشف إلى أي مدى ثغرة (الحزب الغائب).. إحساس وطني كبير عند كل السودانيين أنهم يفتقدون (الحزب الجامع) الذي يجمع السودانيين كلهم بلا بطاقة فكرية أو مذهبية أو عرقية أو فئوية أو أي واحد من البنود الكثيرة التي أعطبت حياتنا السياسية..
هذا السيل العرم من التجاوب يفرض علينا الإسراع أكثر لاجتياز المراحل التمهيدية الحتمية.. وأنا واثق بإذن الله أن الطريق وعر لكنه ليس مستحيلاً.. طالما توفرت (الفكرة الذكية) التي ينبني عليها الحزب..
من الحكمة أن نؤمن أننا قادرون على العبور.. والنصر.. أن نثق في الله أولاً.. وفي أنفسنا ثانياً..


تعليق واحد

  1. الزول دا موهوم ويحتاج طبيب نفسى عاجل
    لو عندو والى اربطو بباقى النهار دا