جعفر عباس

اضحكوا فما أتعس من لا يضحك (2)


اتخذت وزارة الصحة في الأرجنتين، قرارا بإنشاء أقسام للضحك في المستشفيات، بالاستعانة بمهرجي السيرك وفرق الكوميديا، بعد أن أثبتت تجارب في بعض مستشفيات أستراليا أن الضحك يفيد المرضى، ويعينهم على الشفاء بوتيرة أسرع مما لو اكتفوا بالعلاج التقليدي، ودراسة صدرت عن جامعة بالتيمور الأمريكية، تفيد بأن الضحك يساعد على ضخ كميات كبيرة من الأوكسجين إلى القلب، وبالتالي فالضحك الصادر من القلب لعدة مرات يوميا، له نفس التأثير الإيجابي المتأتي عن ممارسة الرياضة على القلب، (وهذه تناسب أمثالي الذين لا يملكون قدرات رياضية، أو يحسبون أن الرياضة – مثل الرياضيات – تسبب خللا في الدماغ والجهاز الهضمي)، كما أن الضحك يسهم في رفع نسبة «الإندورفين» في الجسم فيكون من ضحك لدقيقة واحدة كمن استرخى 45 دقيقة (الإندورفين مادة كيميائية موجودة في الجسم يساعد تحفيزها على تخفيف التوتر والقلق)
ثم هل يستطيع شخص عاقل، سَوِيّ أن يصادق شخصا دائم العبوس، أو غبيا تقول له إن شخصا خاض الانتخابات ووعد الناخبين بأنه «سيعمل البلد كلها زفت/ قار وزلط»، فيقول بدوره: هذا مرشح كذاب، فتفكر لبرهة في أن تعضه في أذنه، ثم تتراجع عن الفكرة خوف انتقال عدوى الغباء إليك عن طريق الملامسة. وتسمع كثيرا في بيئات العمل: جابوا لنا مديراً زفت، مكشراً طول اليوم ويلعن خاشنا بسبب أو بلا سبب (تساءلت مرارا: ما هو «الخاش»؟ الذي يلعنه بعضنا وشخصيا لا أغضب إذا لعن شخص ما خاشي لأنني اعتقد أنه ليست لي خاش، وحتى لو كان عندي خاش فطالما أنا لا أعرف ما يكون فإذن ذلك يعني أنه عديم الأهمية)
وبالمقابل تسمع آخرين يرددون: جابوا لنا مدير سُكّرة، مهذب ودائما باسم وضاحك (من أجمل توصيفات الشخصية في السودان قول إن فلان «صباح خير». تأمل جمال وبلاغة الكلمتين، وستتذكر شخصا تحبه، وتتمنى أن تصطبح بوجهه كل يوم، ليكون أول من يلقي عليك تحية الصباح)، وعلى مستوى زملاء العمل أو الدراسة أو شلة الجيران سيكون هناك شخص أو أكثر يستحق وصف «قرادة»، والقراد حشرة طفيلية مزعجة، تمتص من الدم الكثير وبالتالي يفترض أن دمها تقيل «وزناً».
الضحك يا جماعة هو أقصر مسافة بين شخصين، فلو التقيت بشخص لأول مرة، ووجدته فكِهاً ضحوكا، فإنك ستحرص على التعرف عليه، وهكذا فإن النكتة / الطرفة الذكية، وحسن استقبالها، يجعلها جسر مودة، وكان كثير من معارفي في الخرطوم بحري يتعجبون لأن حلاقا في السوق يحمل اسم «أبو الهول»، واسمه الحقيقي محمد ادريس، كان من أقرب الناس الى قلبي، ويقولون «أنت زول مثقف، لماذا تجلس أمام دكان حلاق وتضحك على قارعة الطريق؟»، وكان ردي بما معناه: الإجابة وردت في سؤالكم.. اضحك على قارعة الطريق. هل هناك ما هو أمتع من هذا؟ ثم من خولكم تلبيسي لقبا (مثقف)، يتطلب في تقديركم حرماني من مجالسة أحد أظرف خلق الله؟
ولم يحدث قط أن سمحت لأبي الهول أن يقص شعري، لأن الزبون الواحد كان يجلس عنده لنحو 3 ساعات ليحلق شعره زيرو، فلأن أبو الهول كان يعرف جميع سكان المدينة تقريبا وهم يحبونه، فقد كان يربط الزبون بفوطة الحلاقة (ليضمن أنه لن يفرفر)، ثم يخرج الى الشارع: وينك يا أبو السيد.. أنا مش طالبك فلوس.. ليه مقاطعني.. يا خالتي زينب ما تجي أقص ليك شعيراتك الطايرات على جبهتك لأنها تخليك تشبهي الصقر أبو زعبوط، والأطرف من كل ذلك أن أبو الهول الحلاق لم يكن يستخدم المشط أو يقص شعره إلا نحو مرتين في السنة.

jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد

  1. أود أن أقرأ مرة واحدة مقالا لجعفر عباس لا يكون هو طرفا في جزء منه لازم يدخل نفسه في الموضوع بطريقة نرجسيه واضحة